الخميس، 13 مارس 2008

هل تصل رسالتي؟!

خديجة بسيكري هل تصل رسالتي؟! المدن التي تخنق عشاقها لا تتنفس !!.. هل يصلح هذا العنوان مفتتحاً لقصيدة ؟ وهل يجوز لي أن أكتب بصراحة مطلقة كثيراً خوفاً من الرمي بالــ و الـــ وكل التهم الجاهزة .. واستنجدت بكل مصدات الحرية في داخلي وسدود اللا وأعمدة الممنوع أن تقمع في تلك الرغبة وتوسلت القصيدة أن تنصاع لي لأننا نخبىء نحن الشعراء في قصائدنا ما تفضحه المقالة الواضحة الخطوط الصريحة المعاني المكشوفة الستار .. لهذا أخيراً اكتشفت فالفرق في الرغبة بكتابة القصيدة أو المقالة الصحفية رغم أنني شخصياً أميل إلى كتابة الاثنتين بروح شاعرية .. المهم دائماً ما تؤلمني رؤية الشباب يتلظون بصهيد شمس القايلة في حدائق مدينتي لاقتناص لحظة لقاء بعيداً عن عيون الرقباء ومتصيدي اللحظات الجميلة .. وكم آوى ليل الشواطىء همسات عاشقة وجلى .. وكم تنقّب الحب في محاولة ساذجة لعدم لفت النظر .. حتى أنني اعتقدت أول الأمر أن من شروط الجلوس على البحر ارتداء النقاب !! أنا هنا لا أقف ضد طبيعة مجتمع ومعتقداته ولكنني ارصد لحالات كثيرة لا ابالغ إن قلت أنها أصبحت ظاهرة تفرض نفسها وأننا بدلاً من التعامل معها بوعي واحتوائها ندير لها ظهورنا ونرجم من يقع بين أيدينا مما يزيد حدة تفاعلها في الاتجاه الخاطىء والنتائج معروفة للجميع غير أننا وللأسف ندس رؤوسنا مثل النعامة معتقدين أننا بذلك نلغي خطرها .. بل إن المنتزهات والحدائق ترفع شعاراً غبياً يفيد بمنع الشباب من الدخول وعزلهم عن المجتمع مما يضطرهم الى اللجوء إلى الأزقة الضيقة والخنادق والسراديب التي لا تنتج إلا العفونة والتفسخ ..إن اسلوب التعامل مع شبابنا وكأنهم كائنات يجب إتقاء شرها يولد لديهم شعوراً بالعدوانية وبما أن ظاهرة هذه اللقاءات فرضت نفسها على المجتمع بحكم أنها تصور طبيعة الحياة الاجتماعية فلماذا لا نتعامل مع مثل هذه العلاقات بنوع من الوعي والاحتواء ..أن يكون المجال أمام الجميع مفتوحاً للالتقاء والحوار تحت شمس النهار وبرعاية المجتمع لكي تنمو العلاقات في مناخ صحي وسليم فتنتج لنا علاقات سوية وايجابية وواضحة بدلاً من حالات المواربة التي تؤدى إلى التخبط والتعتر وبالتالى الوقوع في المهاوي.. انا لست داعية إلى الاباحية كما قد يخطر ببال بعض اصحاب النفوس المغلقة ولكنني ادعو إلى التعاطي مع الدافع بمعطياته المتواجدة لدينا قبل ان يجرفنا السيل من تحت أقدامنا ونحن نرفع رؤوسنا إلى السماء متأملين الغيوم .. ترى هل وصلت رسالتي كما أودّها أم !! اللهم، قد بلغت والله أعلم بالنوايا ولكم محبتي .

قصائد تضيء ليل الشعراء المنتحرين

عبده وازن الشغف الذي تنمّ به «مختارات» الشعراء المنتحرين في القرن المنصرم التي أعدّتها الشاعرة جمانة حداد، يدلّ بوضوح على أن عملها لم يكن مجرّد اختيار وترجمة وتقديم، بمقدار ما كان عملاً ابداعياً. ويتجلّى الطابع الإبداعي أولاً في ترجمة القصائد التي بدت أقرب الى الكتابة بروح شفيفة تشبه أرواح الشعراء والشاعرات الذين أقدموا على الانتحار. تكتب جمانة حداد القصائد وكأنها صاحبتها، تتقمّص شخصيات المنتحرين وتستعيد توترهم وقلقهم وصراعهم الداخليّ ثم تحييهم من خلال لغتها التي تصبح مرآة للغاتهم. وشغفها هذا يذكر بالشغف الذي اعترى الشاعر الفرنسي بول فيرلين عندما «صنع» في العام 1884 كتابه «الشعراء الملعونون» وهو المختارات الشعرية الأولى في هذا الحقل وأورد فيها شعراء اعتبرهم ملعونين من غير أن ينتحروا، ومنهم بودلير ورامبو ومالارمي. ولم يوفّر نفسه فأدرج اسمه ضمن هؤلاء «الملعونين» وكأن غايته الأولى أن يعلن انتماءه الى هذه الفئة من الشعراء. ويخيّل إلي أن جمانة حداد لو أمكنها أن تدرج اسمها بين الشعراء المنتحرين الذين اختارتهم لفعلت من غير تردّد. لكن عملها هذا الذي يرتقي إلى مصاف الفعل الإبداعي كان كافياً لأن تعيش الانتحار شعرياً، في اللغة والذات والجسد، مثلها مثل الكثيرين من الشعراء الذين كتبوا الانتحار (وليس عنه) من دون ان يجرؤوا على الانتحار. اختارت جمانة حداد عنوان «الأنطولوجيا» من قصيدة للشاعر الايطالي المنتحر تشيزاري بافيزي: «سيجيء الموت وستكون له عيناك» وأرفقته بعنوان آخر: «مئة وخمسون شاعراً انتحروا في القرن العشرين» (دار النهار والدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت 2007). هؤلاء الشعراء الذين يندرج بينهم خمسة عشر شاعراً وشاعرة من العالم العربي، ينتمون الى ثمانية وأربعين بلداً والى عشرين لغة واعتمدوا في انتحارهم اثنتي عشرة طريقة مثل: اطلاق النار، الغرق، الحبوب المنومة، الارتماء تحت عجلات القطار، الشنق... الذكور بينهم مئة واثنان وعشرون والاناث ثمانٍ وعشرون. اللغات الأم التي عادت الشاعرة اليها لترجمة القصائد منها مباشرة سبع لغات: الفرنسية، الانكليزية، الاسبانية، الإيطالية ثم البرتغالية والألمانية اللتان استعانت فيهما بما يُسمى الترجمة الوسيطة. أما اللغات الأخرى (الروسية واليابانية والصينية واليونانية وسائر لغات أوروبا الشرقية والشمالية...) فتصدّت لها من خلال الترجمات الوسيطة. هذا الإلمام باللغات الأجنبية نادراً ما يتوافر لشخص واحد أو لشاعر واحد. وهو يفتح الباب واسعاً أمام فعل الترجمة، ناهيك بما يمنح صاحبه من قدرة على اختبار اللغة في تجلّياتها المختلفة. إلا أنّ هذا التعدد اللغوي لا يعني أن الشاعرة لم تبذل جهداً كبيراً وكبيراً جداً في عملها. لقد أمضت نحو خمس سنوات في الاختيار والترجمة والتقديم، واجتازت مراحل صعبة جداً هي بحسب قولها في المقدمة الطويلة أو المقدمات: تجميع المصادر والمعلومات، إجراء البحوث، الغربلة، الترجمة، التنقيح، التهذيب، التلميع، الإحصاء، التقديم، المراجعة... لكن الصعوبة الحقيقية والتحدّي الأكبر كما تعبّر الشاعرة، تمثلا في «العناء والجلد والأناة وقدرة الاحتمال الروحية عندما تحتك روح شاعر حيّ بروح شاعر راحل» بل منتحر. هذا «الاحتكاك» الروحيّ يعبّر خير تعبير عن المكابدة التي عاشتها جمانة حداد إزاء تلك القصائد، قارئة وشاعرة ومترجمة. ولولا شغفها القوي والعميق بالشعراء المنتحرين لما استطاعت أن تنجز مثل هذا العمل شبه الموسوعي الذي يفترض جهداً جماعياً. لكنّ التحدّي الفردي هو الذي أسبغ على المختارات فرادتها، شعرياً ولغوياً، وجعل جوّها واحداً عبر لغة الشاعرة نفسها التي هيمنت على القصائد كلّها من دون أن تلغي خصوصية كلّ شاعر. وهكذا تمكن قراءة «المختارات» كما لو أنها ديوان واحد تَشَارَكَ في كتابته شعراء يختلفون بعضهم عن بعض. وهنا تكمن احدى سمات «اللذة» في قراءة هذه المختارات. انّها قصائد الشعراء المنتحرين متجلّية في سرّ الصنيع الشعري الذي تملكه جمانة حداد. وقد لا يُستغرب مضيّ الشاعرة في لعبة «القناع»، حتى أنّها لا تتوانى عن التماهي بهؤلاء الشعراء، معترفة بأنها مسكونة بـ «نواة» منهم. ويبلغ التماهي أوْجه عندما تسأل وكأنها تجيب في آن واحد: «أوَليست الكتابة أيضاً، الكتابة خصوصاً، انتحاراً؟ أوَليس الشعر انتحاراً في معنى ما؟». بين الذاتية والموضوعية اللافت جداً في «المقدّمات» التي كتبتها الشاعرة لهذه «المختارات» جمعها بين الذاتية والموضوعية جمعاً لا يمكن الفصل ازاءه بينهما. القضية «العامة» التي تعالجها موضوعياً بل علمياً في أحيان هي في الوقت نفسه ذات وجه ذاتي، شديد الذاتية. وهذا ما جعل بعض «المقدمات» تبدو كأنها نصوص تكتب الشاعرة فيها «قصتها» مع الانتحار. «متى بدأ ذلك؟ كيف؟ ولماذا؟ أنا نفسي لا أعرف. بزغوا جميعاً ذات غفوة... بزغوا وجاؤوني في المنام»، تقول الشاعرة. وتصف المنتحرين بـ «شهداء» الشعر و «شهداء» أنفسهم مضيفة: «هم أطفالي الشريدون وهذا الكتاب بيتهم، لا مقبرتهم، لا مدفنهم: بيتهم». لعلّ صفة «البيت» هنا هي أجمل ما يمكن إطلاقه على هذه المختارات التي لم تماثلها أي «انطولوجيا» عالمية في شموليّتها وشغفها (أكرّر شغفها). قد تكون المرّة الأولى يلتئم فيها شمل المنتحرين في «ديوان» وفي «بيــــت» وفي عناية شاعرة تشعر بأنها «الأم» التي تضم بنـــــيها الذين يكبرها بعضهم ســـنين طوالاً. «طاردتهم وعشتهم، عشتهم ومتُّهم. مئة وخمسين مرّة عشت ومئة وخمسين مرّة متّ. ومراراً، وكم شــــعرت بأني أنبش قبورهم بيديّ». اكتشفت جمانة حداد فعل الانتحار في الخامسة من عمرها عندما أقدمت جدّتها على قتل نفسها في 22 حزيران (يونيو) 1976. ولم تتوان عن إهداء المختارات إلى جدّتها التي تدعى «جميلة» و «التي كتبت قصيدة انتحارها». كان هذا الانتحار القصيدة الأولى التي قرأتها الشاعرة. وعندما عكفت على صنع «المختارات» شاءت أن تتملّى صور بعض المنتحرين «بأم العين» كما تقول وكأنها تحاول «معاقبة» نفسها من خلال المشهد «البشع» الذي ينفي شاعرية الفعل. بل كأنها حاولت عبر «الصور» تلك أن تستعيد صورة جدّتها المنتحرة التي «كانت تستحقّ مني أن أفتح عينيّ وسيعتين وعميقتين وأنظر». بعد انتحار الجدّة تناهت اليها قصة انتحار يهوذا الأسخريوطي ثم توالت قصص المنتحرين والمنتحرات... وتعترف: «وقعت في حبّ المنتحرين «مرضى» الحياة، المنتقمين منها ومن أنفسهم، مراراً وتكراراً، وسرق هؤلاء قلبي عاماً وراء عام». ولعل «معايشة» الانتحار، ذكرى وهاجساً، جعلت الشاعرة ترى أن المنتحر ليس «ميتاً عادياً» بل هو «لا ميت ولا حيّ»، إنه «الاثنان معاً» كما تقول. وتسأل: «لماذا ينتحر مَنْ ينتحر؟» ولا تسعى للإجابة ن السؤال لأنه بحسبها «الأهمّ في الوجود أساساً». هكذا تبتعد الشاعرة من «متاهة» التحليل النفسي والفلسفي لمفهوم الانتحار، وقد كُتب فيه الكثير من الصفحات، وتتحاشى الغوص في «الحلقة المفرغة نفسها، حلقة الشاعر القديمة - الجديدة مع الاكتئاب وتدمير الذات والهشاشة والتوتر والقرف». وتعرب عن تحاشيها أيضاً التطرّق الى الأسباب الوجودية أو العاطفية الكامنة وراء الانتحار ومناقشة مقولة ألبير كامو الشهيرة: «الانتحار هو السؤال الفلسفي الجدّي الوحيد» ونظريات شوبنهاور الملهمة عن الموت. وتعترف: «سأنتقل الى الجهة الأخرى من المرآة وأسلخ عن الأسطورة بعض جلدها الزائد». إلا أنّ هذا الانكفاء لا يعني عدم إيغالها في المعنى الوجودي والفلسفي للانتحار، مرتكزة إلى الكثير من المقولات الفلسفية. تسقط جمانة حداد عن شعر «الانتحار» صفة النوع أو الجنس أو التيار ولا تعتمد الانتحار بذاته معياراً للاختيار والجمع، بل تركّز على المعيار الشعريّ أولاً. فالانتحار وحده لا يصنع شاعراً، وثمة شعراء راجت أسماؤهم تبعاً لانتحارهم وليس لأعمالهم. ولذلك عمدت الى جعل الكتاب في ثلاثة أجزاء أو ثلاث أنطولوجيات: الأنطولوجيا الكبرى والأنطولوجيا الصغرى وانطولوجيا «إحصاء الظلال». الأولى هي الأضخم وتضمّ خمسين شاعراً وشاعرة أفردت لكل منهم حيّزاً كبيراً، تقديماً وترجمة. ومن هؤلاء شعراء كبار أمثال: جورج تراكل، ألفونسينا ستورني، مارينا تسفيتاييغا، مايا كوفسكي، سيرغي يسنّين، أتيلا يوجف، تشيزاري بافيزي، خليل حاوي، بول سيلان، سيلفيا بلاث وسواهم. الأنطولوجيا الثانية أو الصغرى ضمّت أيضاً خمسين شاعراً ولكن مع تقديم موجز وقصيدة واحدة لكلّ شاعر. ومعظم شعراء هذه الأنطولوجيا أقل أهمية من شعراء الأولى ولا يملكون أعمالاً شعرية كبيرة، وبعضهم برزوا في حقول أخرى (الرواية، الفكر...). ومن هؤلاء الشعراء: جاك ريغو، رينه كروفيل، مالكولم لاوري... أما «إحصاء الظلال» أو الجزء الثالث، فهو عبارة عن لائحة مفصّلة بخمسين شاعراً يمكن تسميتهم «شعراء ظل» كما تعبّر حداد. وقد اكتفت بتعدادهم واختيار شذرة لكلّ منهم. وقد تكون بعض الشذرات قصائد بذاتها، نظراً الى كثافتها وتألقها. ومنها مثلاً: «كم من القصائد الضائعة/ تبحث عن يد/ تنتشلها من الصمت» (يوهانس فارس)، أو: «لا تخنقوا الوردة/ الوحيدة/ سأصنع من أشواكها سوراً/ لأحزاني» (لويس دي مونتالفور)، أو: «ألف شمس/ في ألف سماء/ ولا ضوء» (قسطنطين بيبل)... الخيط والدائرة ولئن كان الشعراء المنتحرون ينتمون الى مدارس أو تيارات أو أجيال شعرية مختلفة، فإن خيطاً رفيعاً ومتيناً في الحين عينه، يجمع بينهم، بل إن جواً وجودياً وقدرياً يوحّدهم أشخاصاً وتجارب، ولكن بعيداً من القصائد أو الصنيع الشعري. وترى حداد أنّ هذا الخيط هو في آخر المطاف دائرة تحيط بهم جميعاً. ناهيك بأنّ موضوعة (أو تيمة) الموت تهيمن على معظم القصائد، علماً أن شعراء غير قلّة انتحروا من غير أن يكتبوا عن الموت ولو في طريقة غير مباشرة. وفي المقابل كتب شعراء كثر أقدارهم في قصائدهم وبعضهم حدسوا بموتهم انتحاراً وسبقوا القدر الذي كان يتربّص بهم. وتوضح جمانة حداد في احدى المقدّمات الحافز على اختيارها القرن العشرين حيزاً زمنياً للشعراء المنتحرين، وترى أن سببين وراء هذا الاختيار، الأول موضوعي ويتمثل في طموحها الى أن تعكس من خلال القصائد التي اختارتها التحولات التي طرأت على الشــــعر العالمي، والثاني ذاتي وهو أنها تنتمي شعرياً الى هذا القرن وأسئلته. وتوضح أنها لم تتوسّع كثيراً في النبذات البيوغرافية، واختارت ما قلّ ودل مفسحة المجال للشعر نفسه، كي يعبّر عن حقيقة التجربة. ولا يزعم عملها تقديم بحوث عن هؤلاء الشعراء، سيرة ونقداً. وتسأل: «هل هؤلاء هم جميع الشعراء الذين انتحروا في القرن العشرين؟» وتجيب: «قطعاً، لا». فالشعراء المنتحرون هم أكثر من هذا العدد. لكنها لم تغفل حتماً اسم أيّ شاعر كبير وأساسي في القرن المنصرم. فالشـــعراء المنتحرون الذين وسموا القرن العشرين حاضرون بشدّة في هذا «الديوان». وقد «جابت» الشاعرة عبر الكتب والإنترنت ثمانية وأربعين بلداً، باحثة عن الشعراء المنتحرين. ما وراء التخوم وكان من الطبيعي أن يتعذر عليها الوصول الى بلدان الأطراف أو البلدان البعيدة وشبه المعزولة لأسباب عدة، أبرزها اللغة والمسافة. كيف يمكن الوصول الى منغوليا مثلاً؟ أو سريلانكا وأذربيجان وأندونيسيا وكازاخستان وموريتانيا...؟ في هذه البلدان انتحر شعراء لكنهم لم يتمكّنوا من اجتياز تخوم بلدانهم. ومن المؤكّد أن الطبعة التالية ستضمّ المزيد من الأسماء. هذا قدر المختارات عموماً. ترصد حداد في ما يشبه العمل النقدي الاحصائي الكلمات الخمس الأكثر تواتراً مع حقولها الدلالية، في القصائد التي اختارتها وهي: موت (حقلها الدلالي: نهاية، خلاص، سقوط، ختام...)، ليل (عتمة، ظلمة، حلكة، مساء، مغيب...)، يأس (قنوط، حزن، كآبة، أسى، بؤس)، وحدة (عزلة، انزواء، غربة، وحشة)، رحيل (ذهاب، هروب، غياب، فرار، ضياع، ضلال...). انها المفاتيح التي يمكن من خلالها النفاذ إلى أعماق القصائد ومعانيها، الظاهرة والخفية. وترفق حداد المقدّمات بجداول إحصائية تتناول ظاهرة الانتحار والمنتحرين في شكل شامل. وليتها لم تنشر نصّها النقدي البديع عن مفهوم الترجمة في هذه المختارات مكتفية بما كتبت عن الانتحار من نصوص أو مقدّمات مهمّة وعميقة، فالنص الذي سمته «تأملاً لمترجمة شغوف... وشاعرة» يستحق أن ينشر في كتاب تتناول فيه الشاعرة تجربتها في حقل الترجمة، خصوصاً أنها تحضّر شهادة الدكتوراه في الترجمة. لعلّ أجمل ما يمكن أن يقال عن هذه المختارات انها «ديوان» الشعراء المنتحرين. فهي حقاً أشبه بـ «الديوان» الذي يعود الى أصحابه بقدر ما يعود الى الشاعرة جمانة حداد التي جمعته وصنعته أو كتبته عبر نَفَس شعري واحد ولغة جميلة، نزقة وبريئة، متوترة ونقية. وعرفت الشاعرة – المترجمة كيف تمنح كلّ شاعر خصائصه انطلاقاً من لغته الأم في أحايين كثيرة. هذا «ديوان الانتحار»، عالمياً وعربياً، أضافته حداد الى المكتبة العربية التي طويلاً ما انتظرت مثل هذا العمل الخلاق. هذا أيضاً ديوان كلّ الشعراء والقراء الذين يهوون الشعراء الملعونين الذين اختاروا ليل القصيدة وليل الحياة. «كلّ مرّة ينتحر انسان، يولد سرّ، سرّ منيع لا يستطيع أحد كشفه يوماً»، تقول جمانة حداد. ولعلها في هذه المختارات استطاعت أن تلقي ضوءاً ساطعاً على العالم السرّي الذي يحيط بالشعراء المنتحرين، هؤلاء الذين يختصرون كل الأسباب والحوافز في مأساتهم التي تفوق التصوّر والتي وحدهم يدركون سرّها المنيع. انهم القتلة والضحايا، بل الضحايا والضحايا. تُرى أليس الانتحار «عطية»، كما يقول الشاعر المنتحر جاك ريغو؟ 15 شاعراً عربياً أحصت جمانة حداد خمسة عشر شاعراً عربياً انتحروا خلال القرن العشرين، وهم: خليل حاوي (لبنان، 1919-1982)، منير رمزي (مصر، 1925-1945)، عبدالباسط الصوفي (سورية، 1931-1960)، انطوان مشحور (لبنان، 1936-1975)، تيسير سبول (الأردن، 1939-1973)، عبدالرحيم أبو ذكري (السودان، 1943-1989)، ابراهيم زاير (العراق، 1944-1972)، قاسم جبارة (العراق، 1955-1987)، عبدالله بوخالفة (الجزائر، 1964-1988)، كريم حوماري (المغرب، 1972-1997)، صفية كتّو (الجزائر، 1944-1989)، أحمد العاصي (مصر، 1903-1930)، فخري أبو السعود (مصر، 1910-1940)، فاروق أسميرة (الجزائر، 1966-1994)، مصطفى محمد (شاعر سوري كردي، 1983-2006). وذكرت الشاعرة اللبنانية المنتحرة أمل جنبلاط في المقدمة.

قانونها القاسي...تهاني دربي

قانونها القاسي تهاني دربي "يوسف شاهين" .. هذا الفنان الذي زوّد السينما العربية بأهم الأشرطة بداية بشريط " باب الحديد " و " الأرض" و"عودة الابن الضال " التي خطفت الأنظار إليه لحرفيتها العالية مؤكدة ولادة فنان حقيقي يستخدم لغة جديدة لم تعتدها السينما العربية مروراً بسلسلة أشرطة" اسكندرية ليه" و" الاسكندرية كمان وكمان " و "حدوتة مصرية" التي كانت تنطلق من سيرته الذاتية متعاطية بصورة غاية في الجرأة والشفافية مع الواقع العام السياسي والاجتماعي والتاريخي بكل تفاصيله الذي يعيش ضمن دائرته .. صاحب الريادة في هذا النهج وأهم من قدّم تفاصيل هذا التأثير في تكوين الشخصية العربية دون أن يتجاهل المسكوت عنه بل شرحه بحنكة وعمق انطلاقاً من تصوير أهمية الدائر حوله في تشكيل شخصيته هو بكل ما لها من عيوب ومميزات وتناقضات أيضاً .. وهو أيضاً من ولج التاريخ في مرحلة من مراحل إنتاجه من زاوية مغايرة في أشرطته"المصير" و"اليوم السادس" و " وداعاً نابليون" و"المهاجر"هذه الأشرطة التي أثارت جدلاً واسعاً اختلف مع رؤيته البعض واتفق معها بعضاً آخر ولكنها نجحت في النهاية من تكريس نهج جديد يقول إنه يمكن لنا قراءة تاريخنا من جديد حتى نستكمل بذلك بعض صوره الذي أهملها تعاطينا السطحي والخائف من هدم مسلّمات تواثنا جيلاً بعد جيل .يوسف شاهين الذي حازت أشرطته على أكبر وأهم الجوائز العالمية وصاحب تاريخ طويل ومميز وكانت أشرطته تغريداً خارج سرب الأشرطة العربية الأخرى في الأفكار التي تكاملت مع حرفية فنية عالية من جمال كاميرا وتقطيع وأداء ممثلين انتجت ما يسمّى اليوم بمدرسة "يوسف شاهين" في الإخراج .. هذا الفنان الحقيقي الذي كنت أنتظر أشرطته بشغف وكنت دائماً أراه هو الأقدر فنياً على تجسيد واقعنا بكل ما في هذا الواقع من ملابسات .. كانت أشرطته تمارس سطوتها الفنية علي وتجعلني أتوحّد معها حتى أصل إلى ذروة الاستمتاع .. خذلني منذ أعوام شريطه ما قبل الأخير"سكوت حنصور" ومع هذا ظلت عبارته أن هذا الشريط كان استراحة المحارب بالنسبة له مخرجاً قبلته لأتخلص من التأثير السلبي الذي لفّني أثر انتهائي من مشاهدته .. وانتظرت .. وجاء شريطه الأخير"فوضى " مكرساً هذا الخذلان .. يصعب على القبول بأن المبدع يمر بنفس المراحل التي تمرّ بها كل الأشياء "نشأة.. ازدهار .. نهاية"..أحاول طرد هذه الحقيقة من ذهني ، لأنه لا يريد أن يقبل فكرة أن مخرجاً بأهمية هذا الفنان يمكن للزمن أن يمارس عليه تباريحه المزعجة نفسها .. لا أريد أن أخوض في نقاط ضعف هذا الشريط .. الذي لا يليق بيوسف شاهين الوقوع فيها مع أني عندما فكرّت في كتابة هذه الزاوية كنت أريد ذلك ولكن عندما بدأت الكتابة عجز قلمي عن التطاول على هذه القامة .. وأثرت القبول بأن لكل شئ نهاية يعز على الارتكان لهذه الحقيقة ولكن هذا أفضل من أتناول عمل فني لمبدع بهذا التاريخ خذلته هو أيضاً السنون وفرضت عليه قانونها القاسي الذي لا يرحم يكفينا ما قدمه لنا .. وسيظل اسمه دائماً متصدراً قائمة أهم المخرجين الذي أنتجتهم السينما العربية .. يعزينا تلاميذه الكثر ليكملوا ما بدأه .. وأرى في استعانة يوسف شاهين بتلميذه "خالد يوسف" لإخراج هذا الشريط إشارة واضحة قد تتجلى مستقبلاً ، بأن هذا الأخير هو الأقدر على إضافة الجديد والمهم بداياته كانت تدور في فلك أستاذه ولم تخرج عن جبها ولكن شريطه الأخير " حين مسيرة" اعتبره الانطلاقة الحقيقية لمبدع آخر تتلمذ على يد شاهين رؤيته الخاصة لا تكرر ولا تتقاطع مع أستاذه بل تضيف الجديد .. ولكن بنكهة أخرى .