الاثنين، 11 مايو 2009

انفلونزا المسئولين ..اماني محمد ناصر

على الشاطئ الرملي للبحر، جالسة كنتُ وحدي، على يميني فنجان قهوة وكوب ماء، وسيجارة لم أعتدها إلاّ في ذلك اليوم، وقبالتي يجلس على طاولة أخرى، ذات المسؤول الذي رأيته للمرة الأولى في العاصمة، والذي طردني من مكتبه حينما علم أنني لستُ صديقته المسؤولة الفلانية التي كانت تنتظره في الخارج وأخطأ الحاجب بيننا وأدخلني عوضاً عنها!!!كالعادة، كان حوله رجال يشبهون المصارعين الأميركيين…كنتُ أستذكر ماضيي الرهيب، ماضي مواطنة مقهورة لحد الألم والوجع، من مسؤول يركب أفخر أنواع السيارات لتقله لأفخم الفنادق في ذات الوقت الذي تنتظر به بفارغ الصبر الباص الأخضر الطويل كي يقلها لوظيفتها…من مسؤول يأكل الكافيار في ذات الوقت الذي تكون حصتها من الفلافل حصة القط الجائع دوماً…من مسؤول كل مفاتيح الكون معه، مفتاح رصيده البنكي، وسياراته الفارهة، ومنازله المتنوعة، ويخته البحري، ومعامله وشركاته، في ذات الوقت الذي تعتز فيه أنها كبرت وقدّم لها ذويها مفتاح منزلهم (الباطوني، نسبة إلى الباطون) الحجري…التفتُّ إلى حقيبتي لأتناول منها علبة كبريت صغيرة لأشعل سيجارة، وهج الشمس جعلني فجأة أطلق العنان لتكشيرة من حاجبي الأيسر كما يطلقها مواطننا المغلوب على أمره حينما يصل لسمعه زيادة أسعار المواد الغذائية…بحركة لا إرادية خبّأت وجهي بين يدي، كما يخبئ المسؤول العربي وجهه حينما يمر أمامه مواطن اختلس منه مالاً مقابل وظيفة له لن ترى النور (اختلس المسؤول من المواطن)…وعبثاً فتشتُ عن علبة الكبريت ولم أجدها!!!بصارة بصارة، تحبي آخد بختك يا بت؟قلت لنفسي ولمَ لا، لأجرب بختي…ناديتهاشوفي اسمك إيه يا شابة؟اسمي ريا، أقصد أماني…بيضي البخت…يعني إيه…يعني ادفعي فلوسمنين؟مش عارفة، ادفعي وبسالتفتُّ ثانية إلى حقيبتي لأتناول منها مالاً، وقعت عيني في عين المسؤول، رجفت، ارتفعت حرارتي، عطستُ، وركض كل رجاله ليضعوا كمامة على وجهه، خوفاً من انفلونزا المواطن العربي المقهور على أمره!!! فتشتُ عبثاً عن خمسين ليرة كانت في حقيبتي ولم أجدها…تناولتُ ساعتي وقدمتها لها، قائلة:- لا املك غيرهالا أدري كيف رضيَت بها وعلى مضض… المهم أنها رضيت وقالت لي:- اسمعي يا بت يا أماني، أمامك 3 مفاتيح، ماشاء الله ماشاء الله- كم؟- أقولك 3 مفاتيح!!!- يعني إيه؟- مش عارفة، حكتبلك حجاب تحطيه تحت مخدتك، وتنامي وتشوفي المفاتيح في منامك وتعرفي هيّ خاصة بإيه؟ورحت أفكر في هذه المفاتيح، هل هي لشقة وسيارة وشركة؟رصيد في البنك، ويخت، ومقعد في المجلس النيابي؟لماذا التسرع؟سأنفذ ما قالت وأرىولأني مواطنة عربية مغلوب على امرها، تعلقت بتلك القشة، قشة الثلاث مفاتيح وصدّقتُ القصة!!!ذهبتُ إلى المنزل، وعلى رؤوس أصابعي مشيت وفي يدي الحجاب أقبض عليه كما يقبض المسؤول العربي على كرسيه الجالس عليها…وضعت الحجاب تحت وسادتي كما أوصتني البصارة، ونمتُ قريرة العين هذه المرة دون الحاجة لابتلاع حبة دواء منوّم، إذ أنني سأرى مستقبلي كله متجسداً في مفاتيح حلم اليوم…ورحتُ في نوم عميق عميق، لأرى نفسي أمام ذات المسؤول الذي يلاحقني أينما كنتُ،وبيده الخمسون ليرة التي لم أجدها في حقيبتي!!!قلتُ له: حتى هذه سرقتها مني؟ نظر إليّ شذراً مقدّماً لي المفتاح الأول، دهشت، وفرحت، بل لم أستطع التعبير عن فرحتي، بالتأكيد هو مفتاح لمكتب المسؤولية، وأشار لي بأن أتبعه…تبعته وطعم القهوة التي رشفتها على شط البحر ما زال عالقاً على شفتي، أشار لي إلى بقعة من الأرض، ودون كلمة طلب مني أن أذهب إليها…ذهبتُ فرحة، بل ركضتُ ركضاً قبل أن أجفل من قبرٍ مفتوحٍ أمامي، التفتُّ لأسئله، فلم أره، عدتُ لأتأكد مما أشاهده، وإذ بيد على كتفي وصوت المسؤول ذاته يقول لي:هذا هو المفتاح الأول!!!أردتُ أن أسأله والمفتاح الثاني لمَ طالما آخر المطاف في الحياة هو القبر، فأسكتني بإشارة من يده وطلب مني أن أنزل هذه الحفرة!!!نزلتُ مرغمة، بل مجبر أخاك لا بطل، وأغمضتُ عيوني، وإذ بي أرى مفتاحاً في يدي، وباب من حديد، سررتُ جداً، لأشعر فجأة بيد ذات المسؤول توضع على كتفي طالباً مني أن أفتح هذا الباب بالمفتاح الذي بين يدي..ركضتُ ركضاً وأنا أفكر بما في داخل هذا الباب…وضعتُ المفتاح بالثقب، يالله، الباب لم يكن مقفلاً، فتحته، وإذ بنار تلسع وجهي، رجفت، جفلت، وتراجعتُ للوراء، باب نار جهنم فتح أمامي!!! لأسمع صوت المسؤول العربي يقول لي:هذا جزاؤك في الدنيا الكي بالنار، بنار لن ترينها أبداً…سألته لماذا؟أجاب: لأنك مجرد مواطنة عربية لا قيمة لك إلاّ بما تقدمينه لنا من جيبكقلت له: لكني معدومة الحالأجابني وهو يقدّم لي المفتاح الثالث وبيده سيجارتي التي لم أرشف منها رشفة واحدة، وعلبة الكبريت ذاتها: -ولذلك سيكون مصيرك كل يوم ما سيحصل معك من استخدام هذا المفتاح…نظرتُ إليه شذراً، ثمّ عانقت المفتاح الثالث والأخير على أمل ان أخلص من هذا الكابوس الرهيب الرهيب!!!وبإشارة منه، عرفت وجهتي، ذهبت بالاتجاه الذي حددته أنامله، ووجدتُ باباً، على الفور قمت بفتحه ، وهج الشمس جعلني فجأة أطلق العنان لتكشيرة من حاجبي الأيسر كما يطلقها مواطننا المغلوب على أمره حينما يصل لسمعه زيادة أسعار المواد الغذائية… لأرى نفسي بعدها أمام فضاء واسع والأرض من تحتي والسماء من فوقي، قررتُ العودة كي لا أقع على الأرض من هذا المكان الشاهق، وإذ بيد ذات المسؤول تقدم لي كوباً من الماء وتدفعني يده الأخرى من الباب، لأُرمى منه إلى الأرض، وأحاول جاهدة شرب كوب الماء كي لا أموت عطشى، وإذ بالماء يتناثر من يدي، لأستيقظ مبللة في فراشي وحرارتي مرتفعة ترافقها نوبة من العطاس الشديد، وأختي فوق رأسي تمسح عرق وجهي قائلة:فهمت… فهمت… الكابوس ذاته!!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أماني محمد ناصر..اديبة من سوريا

حوار مع قطة سيامية.!!!

· قطتي.. حبيبتي ..ماتزال هي قطتي القديمة ، لم اتغير ولم تتغير ، ترسل لي هي القهر ، وتتدلل ، ومازلت احبها؟؟ دعوني اتخيل حوارا معها وتخيلوا معي فقط..ولا تتوقفوا كثيرا عند الاحالات والتوريات..فهي ماتزال حبيبتي وقطتي التي هاجرتني وتركتني اجتر اوجاعي..وهي تقهرني كل يوم بإحتفاءاتها.
صنو السحر وأسطورته مازالت تتدلل!! والدلال يرتكن فيها الى عشق نادر ، الدلال وهي رفيقان..والدلال كأنه صنع من اجلها ، تتجمل كما يحلو لها وتتعلل بعلل الدلال ، مثل : التقنيات وخراب النت ، وجنونها الجميل ! ثم...التعلل بمن حولها ، تداعب الحروف ، ثم ترسل في طلبي وعندما احضر تغيب هي !! ولا بأس من دلال تتدخل فيه الكهرباء والنور وجهاز الكمبيوتر والانترنت المظلوم .· يصلني الإيعاز فآتي راكضاً ، اجد الخواء امامي!! ، وقد احرقت كل سفني من اجلها ومع ذلك تتمادى في الدلال !! مُتعبة هي دائما ً..تكرهني احيانا!!لاني جزء منها!! تناديني أحيانا وتتهمني هذه القطة بالتقصير!! فإذا غبت تبحث عني ، وإذا حضرت تتثاءب بدعوى النوم والنعاس!!· تبدأ في حوار داخلي..تتكلم وانا أنصت إلى قطة مقرورة ، كأنها في حجري تتدفأ بقلبي وتخربشني اذا أصابها الملل .· مرحبا قطتي..وصلتني الإشارة فحضرت؟؟ فكيف عيوني التي أرى بها جميلتي..تقول هي لااظن اني جميلة؟؟ حسنا بيعي هذه المرآة الخادعة في سوق القديم واشتري جديدة لا تكذب !!لكن اعذارها في الهرب جاهزة !! فمن حولها يراقبها فلا اراها الا قليلا ..جميعهم هنا تقول هي؟؟ حتى الباشا احيانا يبعدني عنك..وما يزال يصر أني قطته؟؟ حاول أن يباغتني عدة مرات ، لحظات ثم ينقطع الحوار لتذهب الى الصلاة ، وانا ضعيف امام نداء الخالق!! اصبر على مضض فليس من حقي ان امنع احد من التعبد حتى ولو على حساب قلبي المثقوب بالاحزان!!· تعود...تحاول ان تصلح حروف الكتابة..اقول لها : حبيبتي احيانا افهم فلست عجوزا كاملا ..ثم احيانا اخرى امارس الصمت ، تصرخ : اين انت؟ وانا انصت لانها اذا بدأت فلا تنتهي مبارة الكلام إلا بعذر خروجها ...واعرف حبيبتي كما اعرف نفسي..فعندما يكون مزاجها متعكرا تركلني كما تركل الكرة!!.· يا قطتي السيامية : لااحد يمكنه ان يخطفك مني لأنني ورطة لامناص منها وعبثا تحاولين الخلاص والهروب فستجديني أمامك في كل لحظة !! عبثا كل هذا الصمت أحيانا لأني عاشق متجمل بالصبر والصبر يقتضي أن نحترم مواعيد الحبيب !!· حبيبتي قطة تخيلتها تلاعب قطة أخرى!!..هي لها قطتها وأنا لي قطتي هي ذاتها!!هي المقرورة في قلبي وهي المُتكأة دائما على صدري وأنا أحب أن أمسد على وبرها الجميل .· حبيبتي تعود إلى مرآتها عندما أغادر ديارها ن نصحتها عدة مرات أن تبيعها هذه المرآة التي تقتلها الغيرة منها، وان لا تذعن للقط الذي يحاول أن يعود إليها بصبر احسده عليه!!.وقد كان يوماً يقول لها لولاي لما كنت قطة!! حزنت على قطتي لانه ليس هناك من يعرف مبلغ جمالها غيري ّ!!.· حبيبتي بيعي مرآتك وبيعي القط الذي لا يعرفك وعودي كما عرفتك سيامية ناعمة لا تعرف الشك ولا تتسرب إليها الريبة والملل من العشق؟؟..عودي كما انت بلباسك الملائكي الابيض وبوجهك المدور كفلقة القمر!!· اذهبي حبيبتي وحاوري من تشائين ولاتتعللي ، فالحب لايعرف غير الصبر وانا احب قطة هي لي بالرغم من كل ارتباط لاافهمه!!!.

نحن والنيهوم..تهاني دربي

بعد أسبوعين تحديدا من صدور قرار اللجنة الشعبية العامة بإنشاء مؤسسة عامة للثقافة جاءت ندوة النيهوم كأول نشاط ثقافي تنظمه هذه المؤسسة في بادرة تقول ها نحن قد عدنا وانتظروا منا المزيد.دار الكتب الوطنية أو مكتبة النيهوم بجيش رفيقات الكتب اللطيفات البنغازيات، تحت ادارة المخضرم الأديب محمد الشويهدي التي إستأثرت في الأونة الأخيرة رغم كل العثرات الذي شهدها العام الماضي من كساد عام سببه حجب الميزانيات العامة بتنظيم احتفاليات لكتاب ليبيين ترواح نجاحها من واحدة لأخرى حتى توج بندوة النيهوم التي كانت من حيث التنظيم الأكثراكتمالا، ومن حيث الحضورالجماهيري والثقافي الأكثر حفاوة بكاتب عاش حياته مثيرا للجدل وموته لم يزده إلا كذلك.القاعة كانت أصغر من أن تستوعب جمهور النيهوم هذه الظاهرة التي لم تنته بموته، فبعد خمسة عشر عاما مازال المهتمون بإرثه يسلطون الضوء على أبعاد ما كتب، وفي شخصه تؤكد فرادة هذا الكاتب مكرسة دون منازع كاتب ليبيا الأول القريب من القلب، الذي مازال رغم كل هذه السنوات الطويلة من الغياب كاتبها الأكثر شهرة والأكثر إثارة للجدل.كانت شهادة الكاتب الكبير ابراهيم الكوني في صديق عمره من الحميمية حتى أثارت في أفق القاعة غمامة دفء تنفسها كل الحضور. براعة الكوني كانت في ملامسة هذا الشخصي، المميز النواة الذي كان في النيهوم، أن يكون بكل تلك النورانية في أعماق صديق له لا يقل عنه وربما يزيد من حيث الكفاءة والذهاب الى ما هو أعمق يكمل بدراية قد تتقاطع في الواجهة وتلتحم في الأسس، أمرا يشي بمنابع منجز الأثنين معا.أن تكون بهذا البهاء الداخلي بشهادة صديق العمر مرتكزاً أساسياً لفهم أكثر لما ينتج عنك من منجز أدبي قادر على أن يخلق كل هذا الصخب الذي شهدته الندوة خلال يوميها والذي هيأ لكل متناول، مدخلا يختلف عن الآخر ولكن يستحق أن يتوج في الخاتمة رغم كل ما طرح بإختلاف رؤاه مدى ثراء مادة التناول واتساعها.هذه الندوة الناجحة أكدت ان النيهوم مازال في جعبته الكثير حتى يكون حاضرا أكثر، وهذا يعني ضمن ما يعنيه أنه خصب بما يكفي لكل احتمال، قادر بعد كل هذه السنوات أن يكون موضوعا غير ممل عند كل من محبيه ومهاجميه، وحيا حتى يخلق كل هذا الكم من المواضيع الصاخبة في محاولة صادقة للنفاذ الى عالمه الحافل والشائك، عالم ليس سهلا ولوجه، ويقر في النهاية كل من حاول ان الخروج منه أبدا ليس كدخوله.مساءات بنغازي التي مازالت مملة كما تركها، أضاء النيهوم قناديلها خلال يومين، وحاول كل من قدم ورقة او مداخلة في هذه الندوة أن يفسر لماذا الصادق ظل نجما مشعا حتى الآن، بيد أنني أجتهد وأقول أن شهادة الكاتب الكبير ابراهيم الكوني ومداخلة الدكتور فهمي علي خشيم أهم من أضاء بداية الطريق وإتكاءً على ما ذهب اليه كل منهما يمكن القول أن النيهوم في خطابه كان يستند بالأساس الى روح طهرانية إسثنائية ومشاعر فائقة الحرارة ترفض ما يقدم لها كمسلمات لا من باب العبث وانما من باب أنها أنتجت واقعا اجتماعيا وسياسيا ودينيا متخلف لم يحبه ولم يستطع حتى التكيف معه.لغة النيهوم الباذجة "الوسيلة" تمكنت باشراقها المحمل ببهاء داخلي قل نظيره كان أصله ثابتاً ويزداد كلما تزودت هذه الروح حتى اتقنت دون اي عناء براعة الملامسة لوجدان القراء فأيعنت فيها كل هذا الاهتمام.روح النيهوم كانت قادرة على الرؤية ومن ثم الإشارة الى مواطن الداء في مجتمعنا دون ان يجاري هذا التفوق مقدرة موازية أخرى منهجية عقلية تحليلية قادرة على صياغة مشروع فكري تنويري واضح ومكتمل ومحدد الملامح، كان يملك مقدرة على الرؤية وتحديد مواطن الداء دون ان يتمكن من وصف آلية تشفي من الداء.مازالنا رغم كل هذه السنوات الطويلة تقريبا ندور في نفس دائرة مسلمات وكلشيهات التي وضعها النيهوم تحت مظلة تهكمه نبتسم لحقيقة رؤية هزالنا في مرآته ونرغب في التغيير ولا نمتلك القدرة.النيهوم طرح أسئلة كثيرة لم يتمكن هو من الإجابه عليها، تركها لنا كتعويذة خلاص. الإجابة عليها تحتاج كم وكيف هائل من الكتاب الحقيقيين، ومواطن يقرأ ويستوعب ولديه أيضا إرادة حقيقية للتغيير، وآمل زمن أقل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • شاعرة وصحفية ليبية.
  • المقال عن موقع جيل

الربيع البارد..رائدةزقوت

الربيع البارد بارد جدا كان الجو في الخارج .....يتكاثف البخار على النافذة ..فتعطي العتمة المتسربة من خلال قطرات التكاثف وبعض مساحات الزجاج التي بقيت لم تلطخها النقاط المتكاثفة منظراً مخيفا ً يطغى على مكان جلوسها المعتاد .ارتدت ملابس ثقيلة فضفاضة لتمنحها بعضاً من دفء ولتخفف عنها ضغطاً كان يتربع داخل جسدها اليانع الشديد البياض المُتحول بفعل البرد المتسرب من الخارج إلى أبيض ِمزرقاً, جلست في مكانها المعتاد رافعةً رجليها بشكل مثني على الأريكة لتكون جالسة عليها بوضع يرفعها قليلا عنها ويكشف لها عن خبايا الرعب المتسلل عبر النافذة من قطرات الماء وبعض العتمة.كانت تشيح بوجهها عن الزجاج بشكل متعمد ..وكلما أشاحت عاودت رقبتها لأخذ نفس الاتجاه وكأنها تآمرت!! مع العتمة والرعب على نصب كمين لها لتبقى مرعوبة متوترة ....في أحد الدورات المعتادة من رقبتها لمحت ما يشبه الضوء ....فركت عيناها جيدا وركزت النظر عبر زجاج النافذة ...نعم ...أنه ضوء ...يا لجمال هذا الضوء ....حدثت نفسها ...تحركت بخفة من مقعدها متجهة صوب الضوء ..وهو يزداد قوةً ويزداد إشعاعاً .....وصلت النافذة ..مسحت الزجاج من قطرات الماء ..التي بدأت بالسيلان على الزجاج فرحا بالضوء القادم من الخارج وربما من الدفء المباغت الذي وصل للنافذة كما وصل لقلبها المغطى بالطبقات الكثيفة من الملابس التي لم تعتاد ارتداءها من قبل ولكنها رأتها الأنسب لتختبئ فيها من البرد ومن غيابه الذي طال ليزيد الجو برودة ويزيد كانون زمهريرا أكثر مما هو .فتحت النافذة وهي بين مصدق ومكذب ....أهذا أنت ؟!!نعم أنا : أجابها باسما غير عابئ لغيابه الطويل عنهاأمتأكد أنك أنت ؟!! ....أقصد هل حقا عدت ؟!! ..كانت تسأله متلعثمة وقد أستعاد جسدها لونه الأبيض اللامع ...وشعرت بالدفء يتسرب لكل خلايا جسدها ..حتى ظنت أنها بحاجة لاستبدال ملابسها بأخرى أخف وأضيق وبالتأكيد أجمل حتى يراها كما تعود ما الذي فعل بك هذا : سألها وهو يبتسم تلك الابتسامة التي كانت السبب بتعلقها فيه منذ البدايةبعدك ...غيابك ...اختفاءك المفاجئ ...هجرك لي بلا سبب ....رفضك كل محاولاتي لمعرفة ما ألمّ بك ...عدم الرد على رسائلي التي أرسلتها لك لمجرد أن أعرف أنك حيّ ترزق...لهفتي عليك التي كانت تصادر عندما ألمح اسمك أو أسم يشابهه ...شوقي المقتول في مخبئه حيث لا أحد يصل غيرك ...كنت أنت بكل ما فيك من غيرني.ولكني غبت بسبب : هكذا سرد لها عدة أسباب لغيابه لم يكن أكبرها ليقنع طفلاً في سن الخامسة ولكنها تظاهرت بتصديقه طواعية ...أو ليس هو عشقها الأزلي؟!!أعادته لحياتها من جديد لأول مرة تشعر بأن برد كانون أجمل ما في الشتاء ...لأول مرة تنساب قطرات البخار على نافذتها فتشعرها بالسكينة والطمأنينة وتدفعها راكضة لكتابة أسمه بتلك القطرات مداعبة النافذة ...وكأنها تقول لها ...لقد عاد ...لم يقوى على فراقي .مضت أشهر الشتاء ...بكل جمالها وبكل حضوره الذي أضفى على الشتاء بهاءا ودفأ من نوع خاص ...كان هو وقودها ...لم تحرمه من متعةَ كان يمني النفس فيها ....رفعته فوق شهريار بدرجات كبيرة ....لم تترك وسيلة تجذبه فيها نحوها ولم تفعلها ....كانت تهبه كل ما كان يحلم فيه أي حالم في عالم الأساطير والحكايات التي تناولتها الكتب ما أن بدأت تباشير فصل الجمال والحب بالقدوم رويداً ..رويداً ...حتى كان هو يعد العدة لغيبته الثانية رويداً ...رويداً ..بدأ يخلق الأعذار للغياب تدريجياً ...وبشكل متقطع ومنظم بحيث يبدو الغياب وكأنه لظروف تلزمه البعد المتقطع ربما ...والطويل أحيانا ...والحضور حسب مواعيد يقطف فيها ما يشتهي مسرعاً ليعود لغيبة أطول لا يعيده منها ...صوبها غير شهوةً جديدة لقطف بعضاً من ثمار ادخرتها له في غيباته التي طالت وحضوره القصير .كانت تنتظر فصل الحب معه بكل ما عندها من شوق وعشق ...ولكنه كان دائم الغياب ..قليل الحضور ..يقنن التواجد ...بطريقة لو أتبعت بالعالم لحلت المشكلة الاقتصادية التي هزت أركانه ..ولكن أنّا للعالم بخبير مثله في التقنين والتخطيط طويل الأمد !! محال أن يكون هناك من يملك صفاته .أستمر على هذا النهج يغيب طويلاً حتى لكأنه لن يعود مرة أخرى ...ويحضر ثواني معدودة ليشعرها أنه مازال كما هو ولكن الظروف تمنعه من الحضور الدائم ...حتى كان يوماً رائعا في ربيعه ....مزدهرة أزهاره تتمايل طرباً لنسمات الهواء المنعشة ..عندما باغتها بمكالمة منه وهو في طريق الغياب الأخير للفصل الجميل ...بأنه مضطر للبعد شبه النهائي بسبب ظروف لا تقل تفاهة ولا سخفاً عما قام بسرده لتبرير غيابه للمرة الأولى .لم تكرهه ولن تكرهه فمن دخل الحب قلبه لن يخرج مهما كان الحبيب قاسيا ..ولكن بعضاً من كرامة دفعتها لعدم تصديقه وقبول تبريراته الكثيرة على سخافتها ..فعزمت أمرها على استعادة ملابسها الفضفاضة ...فقد بدأ البرد يدب في أوصالها ...وتأكدت من وضع ما يمنع تكون البخار على النافذة حتى لا تتكون بقدومه إن عاد مجددا ...كانت اتخذت قرارها بتركه ليرحل من غير عودة له لاحقاً .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • كاتبة ومدونة اردنية تهتم بالجانب الاجتماعي