الاثنين، 25 مايو 2009

!!ما يليق بي!! ما يليق بهم

ما لا ينبغي أن يُقال لا مفرمن أن يُقال.. من 5ـ6ـ2007م إلى 8ـ6ـ2007م. خاص لمدونة سريب ملحوظة: ما لا ينبغي أن يُقال لا مفرمن ان يُقال.. (غادة)
محمد السنوسي الغزالي
(1) · سأقرأ نفسي ..اتاح لي هذا الساحر تمكن من استفزازي ربما أقول أشياء من ذاكرتي لايتاح قولها في موقع آخر، ولست ادري كيف؟؟ ابحث عن مكان اقتنع به واقول نفسي ربما؟؟، هو في النهاية جانب نفسي وخاصة عندما يكون الحوار او الكتابة عن اشخاص بعينهم في شارع لايتقبل النقد!! لكنه في ذات الحين يتنقد كثيرا(ولاينقد)..ولدينا أمثلة على الصعيد الاجتماعي..ونحن في النهاية مهما قرأنا سنظل انعكاسا لثقافة هذا الشارع!! ولذلك سأضطر هنا إلى سيمياء الكلام ( إذا صح التعبير)!!. · بدأ أسبوعي حافلا ..بارتفاع مفاجيء في ضغط الدم..والتقرير الطبي الصادر بتوقيع د.صالح الشلماني عام 2004 يقول بالنص : أني أعاني من ضغط غير مزمن وهو اخطر من الضغط العادي!!..وفي عالم الطب يقول الطبيب انه يسمى " الضغط الانفعالي"!! بمعنى انه وليد ظروف قد تأتي مفاجأة..وهنا الخطورة اومكمنها..فكيف لنا أن نهرب من هذا الانفعال؟؟..بالا حرى كيف لي أن انفلت من عقال ضغط يلازمني من الناس!! قد تسعى إليك الأمور دون ان تكون سببا فيها..ذلك لأنه وأحيانا لايُسمح لك ممن حولك أن تقرر لنفسك ما تراه من ذائقة وعلاقات وارتباطات..الكل في الكل مُسخر لكي يقرر لك إنبغائيات لا تُحصى وليس لها رقم يمكن أن تحدده!!..في ذات الوقت الذي لا يسمحون لك فيه بالدخول إلى مجاهلهم!!!علما بأني لا ارغب في هذا الدخول إذا سمحوا لي أن أعيش حياتي!!.. · اذكر أن خالي المرحوم مسعود الغرياني قد قابلته حالة مماثلة..لكنه أصيب في قلبه وليس في دمه..والنتيجة المشتركة هي الانفعال..ففي يوم من الأيام رزقه الله بكائن لزج أثار غضبه وانتهى به المسار إلى غرفة الملاحظة بمستشفى الجلاء لمدة ثلاثة ايام.. ومسعود عاش في المدينة مثل السمك الذي إذا غادر الماء ينتحر!! كان رقيقا حلو الجانب نبراته هادئه ولباسه انيق ووسيم ايضا..لايخرج من منزله الا بكامل قيافته وربطة العنق المتناسقة مع البدلة المكواة جيدا..يكون بكامل اناقته حتى ولو خرج الى الحانوت القريب من منزله في البركة.. لايتحدث الاا اذا سالته ولايتدخل فيما لايعنيه..فكيف يستقيم الامر في شوارعنا مع رجل على هذا النحو ولذلك رحل مبكرا مصدوما من هذه الفوضى التي نعيشها في علاقاتنا..وهي علاقات لاتعترف بالمواعيد ولا النظام الحقيقي ولاتعترف حتى بالعامل الزمني الذي كان مسعود من اعز احبائه حتى في زياراته للناس… وذكرني أيضا بما رواه لي أبي رحمه الله عن الأعشى ..قال سألوه : لماذا عمشت عيناك..فقال لهم : من كثرة النظر إلى الثقلاء!! ولو عاش الأعشى بيننا الآن لعميت عيناه واضطر إلى الاتكاء على عكاز ابيض!!لكن المشكلة التي أعانيها ليست هنا..فقد يرتفع ضغطي ويحترق دمي عند إشارة مرور مثلا!! أو عندما أشاهد الناس وهي تتعمد ( العوج) تحديا لمشاعرنا نحن الذين نظن اننا من العقلاء و نعيش بين ملايين المجانين!!..أحيانا أضطر إلى ممارسة الجنون لان البعض جُبلوا على رفع العصا في وجوههم حتى ير عووا!! لكن المسألة ليست هنا ايضا..انها اعمق فيما يبدو لي!!..بمعنى الخطورة لاتكمن في هذا الجانب..بل في الذين نضطر الى التعامل معهم يوميا..فكيف يكون لضغط انفعالي الا يُـثار تحت كومة هذا الخراب من الأمراض ومركبات النقص .. وافظع ما في الامر ان يرتفع ضغطك من قبل الذين أنت مرغم على التعامل معهم حتى ولو لم ترغب في ذلك.!!.أحيانا أجد نفسي عاجزا عن مواجهة كائن يعرف ان ارتباطه بي تحكمه عدة ظروف..فيمارس بطولاته المجانية على حساب أعصابي وصحتي..

(2)
· سأوضح أكثر بقليل!! هناك علاقة لا يمكنك إنهاءها بجرة قلم حتى ترتاح من الضغط(ولئلا تذهب الظنون بأحد الخبثاء أقول: اني لااقصد زوجتي!!)..وإنهاء العلاقة حتى أريح وارتاح يحتاج إلى تضحيات جمة تحتاج ايضاً الى حرق سفن وراءي ..بمعني اوضح تحتاج الى خط لارجعة فيه( وقد يأتي يوم ما!!)..والكائن اللزج الذي يتعامل معك احيانا يدرك هذه الحقيقة بخبث بالغ ونذالة قل مثيلها!! ويعاملك على خلفيتها وهو موقف ينم عن تربية ناقصة ومركب نقص مفضوح !!.. · هل كنت سيميائيا غامضا؟؟ ربما سأوضح للمرة الثالثة..قد يحيط بك من تربطك به او بها( لافرق) علاقة، فِصامها يحتاج الى كثير من التأمل في الخسائر والأسرى في حرب غير مُتكافئة.!!.انا متورط في هذا النوع المُضني..هذا النوع الذي يريدني تابعا لأهواءه، منفذا لانتقاماته التافهة . متحولاً إلى عصا في وجه من يتصارع معهم..(وقد لا يكون على حق!!)مشكلتي اني لا انقاد والآخرين المحيطين بي يريدون مني ان اكون عبارة عن لجام في فم حصان جامح!!، نعم لاانقاد ولكن ليس في المطلق!!..فقد انقاد احيانا استمتاعا بأحباء لهم مكان في قلبي..ولكن بمزاج رائق ومعتدل..احيانا انقاد وأحس بالسعادة الغامرة ولا يرتفع ضغطي..لكني لا انقاد لكي يقرر الآخرون نيابة عني طريقة تعاملي مع الناس..بمعنى لاانقاد تحت طائلة المرض النفسي ،والغريب في ما يحدث ان هناك فصام او( شيزوفرينيا) في التعامل..فالآخرون يريدون منك أن تكون أسيرا لذائقاتهم بينما هم لا يقبلون أن يكونوا في مكانك معهم!! المشكلة انك تحاول اوبالدقة أحاول أن اثبت أنني لست تابعا لأهواء احد مهما كانت قرابته لي..أحاول بأفعال وليس بأقوال..لان تبعات الاقوال اشد وطأة وجارحة احيانا!! ومع ذلك أحس بأني محسوب على فريق ضد فريق آخر في هذا الصراع الذي اعرف جذوره وأسبابه التافهة في أصلها..هي المسألة اني وغيري ايضا في حاجة الى اعادة ترتيب الاشياء حتى ولو تأخر الوقت!!. · النموذج الآخر الذي يتسبب في ضغطي الانفعالي هو نموذج الصديق او الصديقة الذي يريد ان يقرر لي نوعية الناس الذين أتعامل معهم ويريد ان اقدم نفسي من خلاله وأيضا ان اتعرف على الناس من خلاله خاصة الذين يعرفونهم قبلي!!..هذا الامر ايضا يضنيني..لانه ليس من الشرط ان اكون انا هو الآخر!!..بمعنى قد اتعرف الى شخص يرى شخص اخر انه يعرفه قبلي فيحذرني منه..والمسألة ليست على هذا النحو السطحي فقد اتعرف على من يعرفونه قبلي وليس بالضرورة ان تكون معاملته لي على شاكلة معاملته لهم..الامر بكل بساطة قد أكون أنا أفضل منهم( ليس غرورا) ولذلك لابد ان يعاملني على هذا النحو وبالتالي لايمكن ان اقبل ان تكون مرجعيتي عن الناس والعلاقات تجارب سابقة قد تكون لها اسبابها ومبرراتها الموضوعية..لذلك يعاملني بعض الأصدقاء بجفاء أحيانا لأني لا اعتمد عليهم كمرجعية في تقييم بعض الناس..وهذا امر طبيعي لأني ذات بمدائني الخاصة بي لي فهمي وذائقتي وقراءاتي وتجربتي الخاصة وأخطائي ايضا( فأنا ممتليء بالعيوب) ولكني لااقبل ان اكون تلميذا في مدرسة!! خاصة اذا كانت مدرسة خائبة وبها كثير من الاخلال في العلاقات ..وفيهاأكثر من البراجماتية المريضة الفاقعة..هذه البراجماتية الواضحة والمفضوحة والتي لااحب أن أكونها..لقد جبلت وعشت على ان اقدم الجهد دون ان انتظر المقابل..(قد لايفهم بعض الناس هذا الموقف) … واحترم كل من يعاملني معاملة الند للند والا تكون مواقفي عائقا امام قول الحقيقة لي مهما كانت مرة وأتقبلها بصدر رحب ولا أنضغط بسببها بل واجل كل من يعاملني على هذا الاساس..فجهدي تجاه الناس ليس مرتباً نفسيا لتسجيل مواقف( وهو الأسلوب السائد لدينا) لا اكون جاهزا للرد على أي موقف حر اوموضوعي بتعزير الآخرين لانه موقف غير موضوعي وغير اخلاقي ويخلط الكثير من الأوراق..وأسوق مثلا على ذلك .. ذات مرة كان لعز الدين اللواج موقفا ثقافيا يتقاطع معي .. ارسل لي مع مسعود ألحامدي..قال: ارجو الا تغضب لان هذا هو موقفي..وارجو الا يؤثر هذا على ما بيننا..حزنت ليس بسبب موقفه بل بسبب انه ظن بي الظنون لمجرد انه خالفني..غضبت بالفعل..لااحب ان أكون على هذا النحو أبدا ولااحب أن يفهم الناس ان مواقفي مرتبة لكي يتغاضوا عن أخطائي أو لكي لا يخالفوني..ليس واردا هذا..وحاول ان يجربني الكاتب محمد المالكي ..فكتب عني كتابة مشتركة مع الكاتب محمد الترهوني..كانا يتوقعان ان تثار حفيظتي ، والمالكي يعرفني منذ اكثر من ربع قرن..لكنهما اكتشفا اني لاامارس البغاء مع قناعاتي!! . ولم يحدث ان اثارني احد كتب وجهة نظر في كتاباتي او شخصي..إلا شخص واحد قد تطاول أكثر مما قسم الله له من حجم وكان لابد من تحجيمه..والمحصلة وعود على الأصدقاء إياهم.. لا اقبل أن أكون ذيل في طابور من ذائقات وآراء وبرجماتيات مضحكة لم تفيد حتى أصحابها في علاقاتهم ومسيراتهم الحياتية!!..وذات مرة قيل لي: حساباتك خاطئة فالمجتمع الذي تعيش فيه لايتواءم مع فكرتك..قلت (وكنت اعني ذلك)!: لكل حساباته ..وكل حسابات تفضي بصاحبها إلى ما هو فيه وعليه!!!..
(3)
· وصلني مسج من طرابلس لم اتوقعه وهو تعليق على مقالي عن غربة الفزاني في مجلة الجليس ..ورد في المسج بالنص ( قرأت غربة الفزاني بعمق..كأني بك تريد ان تبكيني .. وقد ابكيتني ؟ لقد افزعت قلبي ونكأت جرحا ودلقت عيني تذرف دموعا باكية..يا وحشة الزمن الغابر بفراق على..فمن أين للفزاني بعواطفي الجياشة التي ادهشتني ..فمتى نقول للزمن الذي أضناه أخذت ما استطعت وآن لك أن تغرب عنا)… · الضغط ارتفع في اليوم التالي..تذبذب..ولم يسعد قلبي جهاز قياس الضغط الذي حاولت الا يكون من مصدر واحد وذلك للتأكيد…الطبيبة قالت لي: استاذ محمد لولا اني اعرفك لما صدقت عمرك الحقيقي فأنت في نظري اكبر بكثير!! قلت لها لابأس عليك يقول بعض الحكماء ان الحقيقة باهتة لدرجة اننا لا نصدقها أحيانا..بعض الحقائق مثل الأوهام او الخل الوفي!! وكما قال نيتشة : من المؤكد أن للأوهام لذة مكلفة، غير أن تقويض الأوهام أكثر كلفة!!.. والعمر وهم نظن أننا نعيشه ونحن لانتمتع به اذا كنا نعرف اكثر من بعض ما يعرفه الآخرون!!.الآخرون الذين يريدون منا ان نكون كما يرغبون..وانا حزين لأني لا أستطيع ذلك أبدا..لان في هذا إلغاء لذاكرتي ..لكن الطبيبة فهمت ما ارمي إليه.. · قالت لي بالحرف ( لافظ فاها): أستاذ محمد احزن اذ اجد مثلك يتوقف كثيرا أمام مواقف آخرين هم بالاحرى لم يفتحوا كتابا في حياتهم..لقد أدركت الآن سبب ارتفاع الضغط..إضافة إلى هوايتك مع الأملاح كما اعلم عنك!!… · وقد صدقت الطبيبة فأنا أموت في الحوا نط ( ج حانط) ولااحب غير الحانطين!! لان دمهم خفيف على قلبي..والحانطين هم أحبائي وقرة عيني الذين لا يرفعون ضغطي وأحيانا يشغلهم حالي . · في المساء استمعت إلى برنامج المنتدى المفتوح الذى استضاف الإعلامي المتميز حسن بن عامر في حلقته الاربعائية الشاعرة خديجة بسيكري ، وفوجئت، لان حسن من عادته ان يبلغني باسم ضيفه القادم في اغلب الاحايين..كنت اتمنى لو داخلت مع خديجة.. في نفسي اشياء اود قولها لها. وهي تعرف مكانتها في اعماقي..هي شاعرة متميزة لولا انها قد شغلت اخيرا باللجان المتعددة والكتابة الصحفية الاسبوعية ، واكتظت بزحام لا مبرر له..والزحام هو مقتل المبدع وانثيال ذاكرته..تعدد اللجان يحول المبدع الى كائن ممزق بين الاوراق والمقترحات إضافة للزوايا الاسبوعية..وهذا الاسبوع بالذات تلقيت مكالمة من احد المسئولين في طرابلس يقترح فيها ان اوافق على تبوأ موقع آخر في بنغازي يضاف الى موقعي الذي انا فيه ..قلت له لااستطيع يا سيدي فأنا لااملك غير قلب واحد!!..وذات مرة اسديت لسعد نافو نصيحة تمنيت لو انه عمل بها وإلا ما كان مُشتتا بين لجانه وزاويته الاسبوعية التي يسميها بالمختصرة!!.. · من وجهة نظري وبتجربتي المتواضعة فالكتابة الملتزمة بزمن محدد تفضي بالكاتب الى الكتابة اكثر من القراءة وهذا جانب لااحب ان يسيطر على الشاعرة خديجة..فأنا اعرفها منذ ان خطت اول حرف في ساحة الإبداع..بل وصادرت لها اول مقال كتبته!! وذلك من اجلها هي ولعلها الان تدرك الدافع..لانها لم تنسى هذا الموقف وذكرته في مقابلتها..المهم ان خديجة شاعرة متميزة..ولا أرى انها من السيدات اللاتي تتحكم فيهن الهموم الصغيرة وذلك من خلال كتاباتها بالرغم من بعض ما اقرأه لها ( احيانا) من ذاتية مفرطة..وذات مرة سمعتها تلقي نصا أعجبني ( لا اذكر عنوانه) ولكني اذكر تفاصيله وأجواءه الصوفية المبهرة وتمنيت لو انها استمرت في هذا الجانب..الزوايا الأسبوعية ما لم تكن نصوصا إبداعية أوبحثية او ترجمية او ما شابه ذلك من الاهتمامات الإبداعية مهلكة للكاتب ..ولوجهة نظري سبب واضح بالتجربة..فمثل الاهتمامات التي ذكرتها هي التي تدفع الكاتب الى البحث والقراءة اليومية في بطون الكتب والانترنت ..والدافع للقراءة ( من وجهة نظري) ليس الشغف في كل الاحوال وان كان الشغف احد الدوافع، فأحيانا تكون نوعية الكتابة هي التي تفرض على الكاتب ان يقرأ..وهذا لايعني ان خديجة لم تعد تقرأ ولكني أخشى عليها ان تصاب بعدوى اللجان..فتنسى الذي اظن انها خُلقت له ومن اجله…الطريف في المقابلة هي مداخلة الشاعرة تهاني دربي..لقد اصرت كعادتها على ذكر السنوات التي عرفت فيها خديجة..وتهاني تصر على هذا الجانب وتكتب حوله وتداور حواليه..وكأني بها ايقنت ان الزمن قد اصبح من اهتماماتنا وعلاقتنا وطيدة به..ونحن في الاصل لاتربطنا بالزمن اى علاقة وعلى جميع الاصعدة!!.
(4)
· اليوم الثالث كان أروع فيما أظن ولن أبوح بالسبب فقد اتفقت معي !! على سيميائية الكلام وعلى الأصدقاء تفكيك الحروف..شعرت بغبطة لا حد لها..دفعني هذا الابتهاج الغامر الذي أحدث فوضى في داخلي إلى الحركة الدائبة والمثابرة فسهرت في مكتبي حتى أواخر الليل أنجزت العديد من البرامج المتراكمة لدورة إذاعية جديدة وراجعت برامج أخرى لمعدين متعاونين ، وقمت بكتابة صفحات عدة من مخطوطي القادم(استقراءات وملامح) وراجعت وصححت صفحات عديدة من مخطوطي الجاهز وهو عبارة عن جزء أول من حكايات ( بعض من سير التعب)!! ثم كتاب آخر لن اعلن عنه الآن لأنه مفاجأة!! وتاخر الليل ولم يتوقف الشغف ..او التعب اللذيذ..نقلت كل ملفاتي معي الى المنزل…وانا من عادتي ان ترافقني اوراقي اينما حللت..وهي عادة اعتبرها سيئة لان تراكم الملفات يثقلها على كاهلي واحيانا لايكون لي حاجة الا بالقليل منها..لكنها عادة رافقتني مع شغف التوثيق الذي يرافقني هو الآخر…وعندما وصلت الى البيت وجدت عشق آخر .. ، فيلم امريكي بطولة الاسمر الجميل ( سيدني بواتييه) في اسطوانه ليزرية( سي.دي)..ولم اقاوم… أقصيت الملفات وجلست له اتابعه..لازمني هذا الحب منذ صغري..الروايات الاجنبية على الشاشة.. احس دائما بأن هناك صنعة اسمها ( السينما) احس بقدرتهم على الاقناع وصنع الرواية حتى وان كانت الافكار بسيطة او مكررة.. صحيح انه تزعجني صراحتهم في علاقاتهم حد القسوة لاني ارى ان الانسان بدون عاطفة لايعود بشرا..لكنهم لا يدعون ولا يتكلفون..ولا يفبركون نهايات سعيدة بدون شغل ومبررات ، انهم يهيئون لنهايات تصنعها الاحداث والتسلسل المنطقي لها..( قد يكون انبهارا مني)..لكنه الاحساس الذي يلازمني حول اعمالهم الاجتماعية خصوصاً… · الليل قد بدأ يرحل وتباشير الفجر قد بزغت وشمس النهار بسطوعها قد أذنت الوصول..والعصافير بعد أن أنِستْ خيوط الضوء حاصرتني بتغريدها الجميل الشجي حولي..تكاسلت ولكني لم اخلد الى النوم..فهناك يوم آخر ليس يوم امتحانات ورحلات مكوكية يومية بين المدارس والمعاهد…لقد كانت حصيلة لحظة سعيدة ليوم سعيد سبقه..فاليوم هو يوم الجمعه المباركة..لكني بعد الظهر خلدت الى نوم عميق..اقفلت موبايلي.. وحجزت نفسي لراحة قليلة استعدادا ليوم السبت..
(5)
· هذا اليوم ( السبت) ، كان ثقيلا ربما كالعادة..ليس كما تقول جدتي عائشة رحمها الله ( بريكة يوم اليهود!!) ولكني اشعر بانه لم يخلق للإجازة ، وعادة لااجيز نفسي في هذا اليوم بالرغم من اجازته لكل من يعملون معي ، بالنسبة لي احضر في هذا اليوم وكل يوم الى العمل ، وايضا يوم ألجمعه ، احيانا لااعترف بالراحة فيه..لدي شعور ان الانسان لابد ان يغرف من الحياة ما يتسنى له من زمن، فالراحة بالنسبة لي تفتح نوافذ اخرى لاارغب فيها ولا اسعى إليها ،أحيانا لاني كائن قد لايعجبه ما حوله من نظام رتيب وحوارات عقيمة فأهرب الى الامام حتى يوم الجمعة..المهم يوم السبت التقيت بأحد الكائنات المزعجة يرغي ويزبد لأنه مُنع من الدخول الى ندوة اقتصادية!!( سأفضحهم في الانترنت!!) قال ذلك..والانترنت اصبح معول بطولات لرخويات ما كنت اظن اني سالتقي بنوعياتها على الأقل في هذا القرن..قلت له ساخرا: لابأس عليك فالجودة لها اسيادها وكذلك الرداءة.. ولم يفهمني لانه ببساطة لايفهم أي شيء في أي شيء..انه عبارة عن دبيب يسعى بين الناس والاقتصاد الذي يحتج على منعه من دخول ندوته يفهم فيه كما افهم انا في صناعة الكهرباء..وبمناسبة الكهرباء فهي صناعة وردت ايضا على الصحافة!! كما ورد عليها اهل حماية البيئة الذين لابد ان نحترمهم في مجالهم..وورد عليها آخرون يفهمون في الصحافة كذاك الذي لايفرق بين حرف الألف وبين عامود الكهرباء المطفأ في شارعهم!!.. · في المكتب فتحت على إحدى الفضائيات..عادة لااتابعها ولكني أفتح التلفزيون بحكم العادة حتى تكون اذني في المكتب متحفزة لأي خبر قد احتاج الى معرفة المزيد عنه.. لكني فوجئت بكائن آخر..كاتب مصري قديم..عاش حياته على الارتزاق والادعاء المفضوح وكتب لعدة سنوات بإسم إمرأة..سمعت صوته الذي اميزه دائما..اقتربت من الجهاز لاستمع جيدا الى آخر كذباته..وهو عادة لايتحدث الا عن الموتى ..وشهوده موتى ايضا..مثل صحفي آخر ضحك علينا في مراهقتنا..ثم بعد ان كبرنا ضحكنا من انفسنا لاننا كنا نستعذب هذا الكذب ونصدقه..المهم استمعت الى هذا الكاتب الالمعي..كانت كل اجوبته تقطيع في الناس والكتابة ولااحد في هذا العالم يفهم في الصحافة والشعر والقصة و..حتى الرقص الشرقي غيره هو..نكاية في عقولنا التي ما يزال يظن ان ذقونها رخوة..وتذكرت عندئذ نماذج اخرى لدينا..نماذج اقل ما يقال فيها انها مجنونة..وذات مرة كتبت عنها..عن جنونها وايضا نفوسها المريضة التي تحاكي مثل هذا الصحفي الذي تابعته بتأسي على الزمن الذى استغرقته الفضائية العربية في الحوار معه..كتبت عنها ما هو افظع لكن صادرني ونصحني صديق أحبه واحترمه واجله ويسعدني حضوره في حياتي..فامتنعت عن النشر.!! · لااحد يمكنه ان يمنع احد من الكتابة او الكذب بالرغم من المرارة..ولااحد يمكنه ان يمنع احد من الدفاع عن نفسه ولو باسلوب غير مقنع..وغير خلوق واستنادا على وقائع ممزوجة باوهام مريضة..تنم عن جذور زرعت الحقد فى القلوب حتى نخاعها!! مثلما زرعت في نفس هذا الصحفي الذي يمتلك ( كاريزما) لاادري كيف حصل عليها الا اذا كان يعيش في مجمع للجهلة!! كان حاقدا .. وليس ثمة مبرر للحقد.. لكن الحقد اصلا لايحتاج الى مبررات..إنها القماءة التي تعيش مع الإنسان منذ طفولته ، وكلما كبر ، نما الحقد لديه ، فيصبح حقده اجتماعي وطبقي وثقافي ، حتى يحيله حقده الى مثل النار التى ستأكل بعضها!! ولا يستطيع مثل هذا النموذج الجبان الذى يعجز عن المواجهة والدفاع عن الفكرة! ان يتخلص من حقده..ولذلك فهو عبارة عن تنبل يعتبر كل ما للآخرين له ، لانه يمن عليهم بسراب يراه فى عقله المخبول..فيدبج الحكايات والكذب ويجعل من الشرفاء وسيلة لخلط اوراق هو يريدها اسفين يفجربه كل علاقة ساميه ويذبل كل نبتة خضراء..ذلك لانه جبل على على علاقات المصالح ولم يترعرع فى جو اسرى حميمي علمه ان هناك فوق الارض علاقات خالية من اغراض مريضة…وقد يبدع مثل هذا الصحفي في لحظات جنونه..لكن الذى يدافع عن قيم الحرية والكلمة الطيبة ويفصلها عن مشاعره وعلاقاته …لامثيل له الا حامل الفكرة ونقيضها.. وليس ادل على ذلك الا تحوله احيانا الى بوق لمن يدفع بحق ودون حق..بل انه يستنكر ان يستمتع الآخرون بعرقهم وكدهم الذى لم يبذله هو …وسبحان الله كم يشبه هذا الصحفي بعض النماذج لدينا..إنه يستنكر ان يكون بعض الكتاب منعمين واغنياء..ويقول من اين لهم؟؟ وقد يكون سؤاله في محله لو انه انطلق من خلفية تعتمد على وقائع تدين هذا الكاتب او ذاك..لكنه يوصم بعض الكتاب بالارتزاق وهو لايقل ارتزاقا عن وصفه لهم..وبعض الاسماء التي ذكرها اعرف انها من عائلات موسرة ولاتحتاج الى هذا العفن الذي يذكره..والعجيب اني اعرف انهم في مصر يخشون لسان وقلم هذا الصحفي لذلك يتجنبون اثارته..ذلك لانه مثل ( ماري باي باي) في الافلام المصرية القديمة يتجنب الناس الاحتكاك بها او اثارتها خشية لسانها المقذع وما اسوأ ان يخافك الناس..ليس لهيبتك..ولكن لانك سيء الفعل واللسان!! ..لذلك ارى واتحمل مسئولية ان بعض الكتابات هى نبت شيطانى لاينبغى ان نفصله عن تفاصيل كتابها كحالات مزرية وتدعو الى الشفقة وايضا استثنائية اذا صح التعبير..استثنائية لانها تسىء الى الجو الثقافى وتلبسه لباس لاينبغى ان يكون له..ولاينبغى ان يُرتدى تحت شعاره…فيمكن ممارسة اى شىء مكروه ولست ضد حرية الانسان شريطة الاتكون الثقافة شعاراً لممارسة هذا الادعاء…فإذا ماكانت الكتابة وسيلة لممارسة الحقد ورمى الاتهامات خبط عشواء لكى تطرح الاسئلة والتساؤلات… ونفسية الكاتب فى ادعاءه البراءة والدفاع عن قيم الحرية لها دور حاسم فى هذا الهراء!! كما ان الخوف من مثل هذه الاقلام هو الذى يجعلها تتمادى لانها لاتملك امكانية المجابهة الا بالقلم وحده..والقلم يمكن استعماله للخير وللشر..حسب نفسية الكاتب وما يرمى اليه.. · من هنا…فإن الكتابات مهما طاولت النجوم وظن اصحابها انهم يمرون على التاريخ بكفاءة!! لاتستحق الا قراءة اسماء كتابها دون حاجة الى قراءة نصوصها ، لانها ستكون ، او بدأت تكون ذات موضوع واحد سحبت منه الاف النسخ ووزعت فرادى وجماعات..تتشابه الحروف والكلمات..وهى جميعها عبارة عن فقاعات فى هواء ميت!! تبقى فيه لحين تعصف به رياح اقوى…وانا هنا لاامارس الرقابة ولاادعو الى القمع..لكنى اجزم بان الذى يرمى تقيئاته على الناس الذين هم افضل منه مهما حاول تشويههم ودون اية أسانيد مقنعه ، هو باختصار يوصم الآخرين بما فيه وما عاش عليه وما تعلمه فى حياته..ليصدق انه العاقل الوحيد وان الاخرين هم المجانين..بما فيهم الأطباء وبعض الأصدقاء الذين قرروا بانه مريض..وهذا حال الصحفي الذي تابعت حواره..والغريب انه في جوانب اخرى يذكر بعض الفنانين القدماء بكل اجلال ويستنكر عدم الوفاء لهم..وهو موقف مثالي لاافهمه من كاتب على هذا النحو..لكن التاريخ لن يلقى بالا لكثير من التفاصيل السخيفة بعد مائة عام…وسيخجل نيابة عن اؤلئك الذين عاشوا بلا خجل اوحياء..لكن سطوره ستقول كل شيء.. · ولم يبقى لي غير المناكفات مع مهدي( دودي) ويوسف المهلهل ( ابوليلى) ..والسلام.

السبت، 23 مايو 2009

سُمـــــــــار بنت البحر 9 حكاية طويلة!!

عزيزة كانت في الصباح تنتظر احميدة بعينان تقدحان شماتة وتشفي !! القهر
مازال ياكل اطرافها ووجدانها بسبب بنت البحر ، لكنها تتظاهر بما ليس فيها ،
ذات مرة في لحظة صدق قالت له :
متي يبتلعها البحر ونرتاح إنها شوك سامبنت البحر لاشفاء منه ، كل صديق
اعرفه اياما ما ان يراها حتى يهيم بها ، لكن لم تعيد على مسامعه هذا القول مرة
اخرى..عزيزة غيرت تقنيات الاعيبها لكن اوراقها ظلت مكشوفة ، وبقيت بنت
البحر غصة في حلقها حتى اخذتها العاصفة الى المحيط ، استطاع احميدة ان
يستكني كل هذا الذي في داخل عزيزة : - لمحت لك عدة مرات ان لاتثق في هذه السمكة التي تتقافز ليس الا ، مشاعرها رهن لحظتها لكنك كنت مجنونا بها . - رغم تكرارك الممل لقصة الجنون لم يبدر مني أي اعتراف بما يتفتق به خيالك
الذي تديره الغيرة!! لكني أقول لك في العموم ان الجنون انواع ، هناك جنون
غير الذي نعرفه وتقصدينه انت ، انه الهوس السحري النظيف الذي اتمنى ان
اكونه ، انت تحبينني لكنك لاتعيشين حالة الهوس السحري ، لديك عالم آخر
تحاولين قهره بي ، لست مركبك الذي سيعبر بك يا عزيزة ، ستغرقين!!انا كائن
يختلف لايمكن استعمالي في مؤامرة سأ حرن بك حتى تغادرينني او ارميك في
الماء ، لااستطيع ان اكون الذي تريدينه ، مركب نجاة لك واغراق للغير!! واكرر
اني لم اعترف بهذا الجنون لكني لا اسعك ولن تعبري على جثتي .
- انا ايضا لم اعترف لك بشيءلكنك صديقي واخاف عليك .
- كنت صديقك عندما ظننت بانك بربئة !!
- بريئة مم؟؟
- من الخداع والكذب والتلفيق وتلقين الآخرين ليروجوا كل ما في راسك ..كنت
اظن انك بريئة ، لكن بسبب حبيبك تحولت الى كائن لااعرفه ، كائن مصلحي يثير
الريبة والشفقة معا!!
- كل هذا اكتشفته عندي بعد تعرفك على بنت البحر؟؟
- نعم..لكنها لم تقل لي شيء عنك ، عرفت فيما بعد انك لست الوردة التي اعرف!! واكتشفت ان بنت البحر هي الاسطورة التي لم اكن اعرف ، فقط عندما تخلصت من حصارك عرفتها واكتشفتك من جديد .
- لم تكن تعرفها قبلي
- بل عرفتها منذ طفولتها حتى اصبحت تلميذة نجيبة في البركة!! وبعد سنوات عرفتها وهي بهذا البهاء ، عرفت ايضا ان طهارة ونصاعة النفس لا تشترى ولا تباع . - وتقول انك لست مجنونا بها؟؟
- لم اعترف لك باي جنون.. ولكني افضل ان اكون مجنونا ببنت البحر على ان
اكون عاقلا بك!!. يتبـــــــــــــــع

الخميس، 21 مايو 2009

ذاكرة الشتاء

حكاية
البرد مثل سياط تلفح وجهه ، التفح برقبة الجلباب ليقيه هذا القارس..يشق الشارع فى قلب السوق المتعطن المزدحم...فجأة.. يلهث مسرعاوانفاسه تسبقه بلا رحمة..ذلك الطفل الذى لم ينساه يقترب منه ، يحتمى ويلتصق بطرف جلبابه..وكان ضخم الجثه كريه التقاسيم قد وصل وراءه واهنا لاهثا:
- هيه ماذا تريد من هذا الطفل؟؟
- هل تعرفه؟
- ربما..لماذا تركض وراءه؟؟
- لقد سرق من دكانى صندوق تفاح!!
- هذا البائس النحيل سرق صندوقا كاملا؟؟
- كانت معه شرذمة من المتشردين بالامس..
• ضغط الرجل الضخم على كلمة متشردين فى نبرة احتقارية ووقاحة واضحة تعكس وقاحة السوق ومن فيه!! استفزه الموقف..قارن للحظة بين جسد نحيل ، حافى وبين متكرش كريه...احس بفوضى من الاحساسات بداخله..وزادت هذه الفوضى حدة عندما التصق الطفل اكثر بجلبابه:
- كاذب ..انه كاذب يا سيدى..ا ني مظلوم ..صدقنى..
• هز المتكرش رأسه ساتخرا:
- ايها الماكـــــــر!!!
- كم ثمن صندوقك يا..........
- يبدو انك تعرفه فعلا..لايهم..الثمن ثلاثة دينارات..
• اخرج المبلغ من جيب جلبابه واعطاه للرجل الكريه الذى اختطفه بسرعة وقفل راجعا وهو يلتفت فى حيرة بالغة..بينما قرفص قبالة الطفل الذى شرع يبكى:
- لماذا تسرق؟ هل انت بحاجة الى المال؟؟
- لم اسرق ياسيدى انت لاتصدقنى مثله، ان الذى سرق الصندوق طفل آخر ..لقد هربت مذعورا بالامس عندما رايت هذا الرجل المرعب يلهث وراءه فظن انى معه؟؟انهم..انهم فى هذا السوق يرتابون فى كل فقير..كنت مذعورا ..صدقنى يا سيدى..
• ذهب به بكاء الطفل بعيدا..اعتصرت الذاكرة لحظات من طفولة تعسة.. عندما جاء الى ابيه احد الجيران وقال له انه قد سرق من منزله بعض الاشياء اثناء غيابه هو وزوجته خارج المنزل بشهادة والدة الزوجة السيده الوقورة والمصلية والطيبه التى قالت انها رأته من خلال شعره الاشقر وهو يقفز من السور هاربا نحو الشارع الخلفى ..كانت وقورة وكاذبة!!! ولكن من اين لطفل يتيم الام ان يجد من يصدقه ، وجره صاحب المنزل الغليظ الى مركز البوليس ..وهناك ضربه الجميع..المحقق والحارس وعامل المقهى والغفير حتى جارهمصاحب المنزل( صدقنى يا سيدى لم اسرق من منزلك ولم ادخله ) بينما يضربه الجار مرة اخرى طالبا منه الاعتراف..وفى ليلة كاملة فى مكتب الشاويش والسياط تلهب رأسه تحت صورة( الملك )..كانوا يركلونه باحذيتهم الحقيرة والقميئة ، عندئذ تذكر حكاية ابيه الذى ركله الطليان وهو فى نفس المكان!! احذيتهم كانت تشبه..بل تكاد تكون هي رأس تاجر التفاح المتكرش الكريه..أفاق من شروده على صوت الطفل:
- هل تبكى يا سيدى؟؟؟- انا ابكى ..لكن فرحا لانى انقذتك من هذا القمىء..
• التقت عيناه ببريق طفولى حاد يعرفه جيدا ويخبر صدقه ..بريق وحزن!!..انتحى به جانبا:- هل تذكرت حادثا مؤلما..
- وأى الم؟؟
- كانت طفولتى لاتذكر؟؟؟ شقيه
- شقية؟
- نعم..كنت يتيم الام..
- وانا ايضا يا سيدى واعيش مع زوجة ابى..- لكنى الان يتيم عجوز يا طفلى الرائع
- وما الفرق يا سيدى؟- بالامس ليس ثمة فرق.. اما الان فانا يتيم اشيب الشعر( ابتسم)!!
• ابتسم الصغير ايضا فى انتشاء واضح!!- كنت طفلا سىء الطالع.. لااذكر لحظات سعيدة..كانت لدى احلام..وكنت امارسها خلسة عمن هم حولى..وكنت افيق من احلامى على الصفعات الحارقة..كنت سىء الطاع..ولم اجد من ينقذنى..انت محظوظ اذ وجدت من ينقذك..
• انسل الطفل من بين يديه بهدوء ، بينما بقى هو مقرفصا شاردا ، بحث عن الطفل الذى ابتلعه زحام السوق العفن ..وفى ذات اللحظه ومن نفس الباب .. باب السوق..انه هو بعينه الجاحظه المتورمة..لم تغب عنه ملامحه ابدا بسحنته الكريهة..وقسمات وجهه التى لم تغب عن ذاكرته.. نفس الشاويش..نفس الجثة والملامح..نفس القسمات..نفس النظرة القاسية والوجه المتجهم..نفس المشية والخطوات، نفس اليد الضخمة..شرع يتحسس وجهه..انه هو..لم يتغير فيه شىء غير انه يرتدى بدلة ضابط على جسد محنط..عندئذ ..وفجأة ، تذكر الطفل..فركض مسرعا..باحثا عنه...
كتبت في اثينا – اليونان

الاثنين، 18 مايو 2009

سُمـــــــــار بنت البحر8 حكاية طويلة!!

جاء يوسف ..استفاقت الشلة على صوته المميز ، اتى من بعيد يبحث عن ليلاه في شوارع توريللي الضيقة ، لم يكن من الشلة لكنه سمع عن السُمار المجانين وهم على الشاطيء المُحاذي لبيت الحبيبة ، جاء عند منتصف الحكاية :
- هذا التقاء مُريب ، حكايتكم تكتظ بها شوارع بنغازي ويتسامر الناس حول هذا الجمع ، كل منكم من فج ومن قعر يختلف فكيف تجمعكم سمكة تسافر بكم ساخرة تتقافز كالارنب المذعور!! كيف التئم شمل الشامي على البغدادي؟؟. قال ابو الفشنك :
- لسنا شلة من السذج يا يوسف ، واذا كنت ترثي لنا لاننا مسخرة بنت البحر كما تقول ، فلا بأس ، نحن مضحوك علينا في بيوتنا وشوارعنا ومُحيطنا الذي يداور حولنا، انا مثلا سخر مني شيخ يقول انه يدعو الى الصلاح ، فإذا هو بائس يبحث عن المال والبنون!! مثلما ضحك الشيخ جبريل على ياسمينة وانجب منها هذا البغل الذي يستعمل كتفيه اكثر من راسه!! .
- الكتفان يحملان الرأس..غريب هذا التباد ل غير المفهوم ما بين الراس والكتفين!!..انتم ثلة من الحمقى والمجانين ، اصطادوا هذه السمكة وارتاحوا من تلازمكم المُبكي هنا!!,
- سنروي لك حكايتنا يا يوسف .
- شربت حكايتكم وارتويت بها من كل احياء بنغازي ومللت من تردادها على اذني بكل الالوان والروايات والقصص العجيبة ، انتم حكاية بنغازية شائعة استخلصت انها عبارة عن حوتة توقف الحياة فيكم!!
- ربما هو مباحث يبحث عن كمباري
- أخ!! ..كيف لم ننتبه؟؟.
- مثلي لايُدس على الناس ..الان تيقنت انكم لست حمقى فقط ، بل مُريبون..كمباري صديقي وابلغوه سلامي واسالوه عني.
- من هذا الانف القيصري؟؟ومن اين جاء؟؟وكيف جاء؟؟.
- يقولون ان اسمه يوسف ..
- اسمي يوسف .. ويعرفني هذا الصامت جيدا..- احميدة؟؟؟؟؟؟ ..- اسمي يوسف .. ولااعطي الا نسبة قليلة من الثقة ، الحسبة الموجودة بين الصدق وبين الادعاء ، وانتم بلهاء لاتستحقون أي نسبة ، يمكنكم تربية اسماك زينة في بيوتكم والسمر هناك ايضا اذا كنتم اصدقاء او تعالوا الى بيتي ، هناك امكنة فسيحة يمكنكم اضافة كوخكم هذا اليها بدلا من ان تتقاذفه عواصف البحر هنا ، اراه الآن وكأنه سيتهاوى كأرزاقكم واحلامكم .
في اللحظة كأن العاصفة تنصت الى يوسف بإمعان ، اغترفت موجة عالية الكوخ في طريقها ، اسرع الجميع مذعورين ممسكين باطراف الكوخ، يعاندهم اثناء ما هو يتجرجر مع الريح ، يوسف الحكيم دون ان يشعر وجد نفسه يمسك بأحد الأطراف ويرتمي فوقه!! الاخرون ايضا..ارتموا على كوخ هو عبارة عن أعجاز نخل من اللثامة!!. بعد ان هدأت الريح وصفا البحر انتبهوا الى غياب بنت البحر ..وجدوها طعامها يتناثر الى الشاطئ ..الكيك والتوست والبيتزا مرجريتا وكل مستلزمات دلالها تركتها على الشط .ثم...اصبح من الجلي ان يوسف قد انضم الى عشق بنت البحر ، كانوا قد نسوه في البداية ولم يسأله احد فيما بعد كيف هرع الى مساعدتهم في إنقاذ الكوخ وهو الذي كان يسخر منهم.

سُمـــــــــار بنت البحر7حكاية طويلة!!

انتهى حميدة يقول كمباري عجنته بنت البحربسحرها .لاتفهم هذه الشلة العجيبة!! سيدتى..تتجلى فى الدلال..تعلن موكبا ً طاغيا من فتنة ساحرة!!من شعاع مارد!!موكبها كما هودج الجحافل تأتى ومعها براكين وزلازل سيدتى بنت البحرتتجلى قلت لها انت قمرقالت ولا احاذى القمرُ!!الا اذا كنت وحيدة!!حسنا يا طاغية السحرانت كل مدائن القمر ِانت المداد والشراع والنهر، حسنا انت النجم المنتثر، قالت: ولايكفي قلبك لى وحدى قلت حسنا : وهل قلبك لى؟؟يا سيدة الطغاة!!ابيع قلبى مقابل قلبك ولايكون غيرى، يملك مزاليجك لانك بحر من سحر لايفهمه غيري!!الكل يعشقك، فكيف ابيع عمرى مقابل ان اكون رقماً فى دفترك ،ايتها الشقراء الحميراء الكستنائية ايتها يا من انت كل الالوان ايصير ان ابيعك عمرى وانسى الحسان واكون مجرد رقم فى دفاترك؟؟ ايصير يا غرة الغمام والامطار ان اجثو امام باب تمثل امامه كل الوجوه والالوان والاصناف؟؟ حسنا لاباس ان ابيع عمرى شريطة ان تمزقى قوائمك ويكون لى السحر،الاطمئنان ،السهر مقابل عينيك انسى الحسان واكون لك يا لوحة متفردة فى رسمها يااربعينية قاتلة يا غيما يرسل المطر اكون لك ..حسنا..مقابل ان اكون
مدينتك..وقريتك،اسمك،رسمك،اجواءك،احرفك تقفلى كل ابواب الحوارالا معى!!عندئذ..وعندئذ ٍ يا مدينة الاقمار،الاشحار،الامطار،ابيعك عمرى واستريح على ذراعيك ، انام نومة خدرٍ، ارفض كل الحسان ، ولايكون فى عالمى غيرك انت!!!
يوسف بوجلاوي
يوسف بوجلاوي ،مُتسلحا بالحكمة وبعض من السكون المُرتاب!! قامته غجرية وانفه طويل وانيق الملبس ، مشيته مميزة ويحرص على تفردها!!،تعرفه من مشيته من بعيد حتى ولو كان نظرك من المسافة لايكتشف الملامح، رجل من الصعب عليك ان تنساه إذا تعرفت عليه ، انه من الذين يتركون آثارا ماكنة في حياتك ، خلال شهر واحد من التعرف عليه ستكتشف انه بسحره الخاص استطاع ان يعرفك وان يعرف كل اسرارك وان يخرج من محارات بحرك ما عملت سنينا على اخفاءه عن عيون الناس ، هناك امور في حياتك لايمكنك البوح بها حتى لنفسك احيانا ، لكن يوسف سيعرفها بطريقته ، فعبثاً ما تخفيه عنه إذا اراد ان يعرفه، ،لانه احيانا لاتثير لديه بعض الشخصيات أي اسئلة ، يقول هو نفسه هناك اناس من الافضل الا تعرف عنهم شيئاً لانهم عبارة عن اشباح قنافذ من داخلها ومن خارجها ايضا، و يوسف محبوب من الجميع ، حاضر البديهة ، تعليقاته ساخرة لكنه يحرص جيدا على مُفرداته، يحفظ الكثير من الشعر العامي وامثال القدماء ويجيد ايضا بعض اللغات ، ويقولون انه احيانا ولعمق حكمته يستعينون به على اعلى المستويات لحل بعض المشاكل الاجتماعية ، واكثر من يعرفه في الشلة هو احميدة
يتبع

الأحد، 17 مايو 2009

سُمـــــــــار بنت البحر6حكاية طويلة!!

كمباري فاجأ الجميع بحضوره الاول بعد إختفاءه الطويل ، جاء متخفيا متلثما بعباءة قديمة ، فالبوليس يبحث عنه في كل مكان يتوقعون وجوده فيه لكنهم لم يتوقعوا ان يكون بهذه الهيئة هذا البحار العنيد ذو القامة الغجرية !! البوكسياري طلب منه العودة الى مخبأه لكنه أصر على البقاء وقضى أيام المأتم وهو يتلفت .
• كم هي اللحظات تمر ببطء والايام ايضا ، لايعرف ما وراء بنت البحر ، ظلت اسرارها تؤرق كل اوقاته قال للحامدي:ماذا تفعل بنت البحر هذه الايام ـ ماذا يفيد يامنية الروح رجائى فيك او قطع الرجاء مِنك؟؟..كلاهما شعور قاتل ..كلاهما أسى وتأسى..كلاهما..مثل احدهما..كلاهما ينغل مواطن الغبطة فى قلبى.
كلاهما لعنة وموات..كلاهما انتحار ..وانتظار للذى يأتى اولا يأتى..كلاهما مرسى..اُفقه فى السديم..حلمه مُستحيل كاستحالة العنقاء والخل الوفى..ومدينة انت..مدينة من التناقض..والرهبة والخوف والاطمئنان ودفق الحنان..والقسوة والغموض..مجاهل بُليت بها كمن اعمى بُلى بعل ٍ لايعلم هل يقفز منه الى عمق لايعرف منتهاه؟؟..ام يرجع عنه الى طريق لايعرف!! ودرب موغل فى الوحشة والاِغتراب..تسامرت كل الهواجس على قلبى..اذا حضرتِ ارهبك واخاف حضورك واذا غبت قلت اى يوم هذا؟؟ وهل تخطط للحظة لااعرف كيف ستمر؟؟؟ لانها لم تمر قبل الان ولم اذق طعمها..وهى لحظة ستمر فى كل الاحوال..لكنى لااعلم هل سابقى بعدها.. ام ارحل فى الدياجير..ولانها لحظة لم تمر ويكتنف الغموض تفاصيلها ..ترهبنى..تحتل عقلى ووجدانى..تمارس القمع على ذاتى!! كأنها تقول لى : تلك اللحظة لها ما بعدها...اقول فى ذاتى هل تخطط اليوم اوغدا لتلك اللحظة؟؟ هى غامضة لاتفهم من اين ستاتيك بالفجاءة..هل تـُخطط لتلك اللحظة ..اتساءل؟؟ واقول يا منية الروح اين انت؟؟ابحث عنك فى الطرقات..والازقة ورقم هاتفك..والصمت المُريب الذى ينتحر فى جوانحى..يا سيدتى ماذا تخططين؟؟ماذا تفعلين عندما تغيبين عن اماكنك المُعتادة..انت عصفورة..اعرف انك عصفورة بنت عُشا ورديا..كللت تفاصيله بحضورها البهى..ليس من عاداتك ان تغيرى المسارات الا ماندر..وكم انا غبى اذ اثق انى اعرف عاداتك..ومن قال ان لك عادات؟؟او اعتيادات..انت كومة صمت مهيب.. عبق لامثيل له ولا ند..انت ..وانت ايضا لااعرفك..رغم انى اعرفك..وما عرفت اغلى منك..يا سيدتى اُحبك..اموت فيك..ونهايتى مُحققة لديك.. لاى شىء تخططين هذه الايام؟؟... هل تخططين للحظة عشت سنوات طويلة اخاف منها؟؟، هل آن الاوان ؟؟.. يا مليكة تعاستى ورداءة حظى ماذا فى رأسك الجميل؟؟ ابيع عمرى مقابل ان اعرف يا سيدتى!!.لاتبالغ يا احميدة ..قال له الحامدي ، عشاق كثيرون مثلك ثم دفنت الايام ذاكرتهم كما تطمر هذه الامواج كثير من الرمال والاسرار ، تعال هنا ، كم حبة رمل كانت هنا ثم اندثرت وهذه الحبات التي تراها بالملايين ستختفي ، سترحل وتحط مكانها حبات اخرى ، كذلك ذاكرة العشاق تذوب كما يذوب زبد البحر في الرمل .
يا لأمثلتك الثقيلة الغريبة يا حامدي ، كيف خطر لك هذا التشبيه ام علمتك الايام؟ لانك تنسى ، او لاملامح لعشقك ، انت من صنف غريب وانا لست مثلك ، انا من النوع الذي يقتله العشق ، وانت من النوع الذي يحييه العشق وينهض على عشق آخر ، غليظ انت وغامض وقد لايكون لك قلب بالمرة ، أي قلب هذا الذي تشير على قلبي ان يكون مثله ؟؟ توقف عن هراءك القلبي هذا يا حامدي بك خلل لاادري كُنهه بالرغم من جمال روحك او لعلك تكابر أريد أن أنسى هذا النصائح العشقية الغريبة!! حتى لاانساك أنت الآخر.
بنت البحر كائن غير قابل للنسيان هذه هي المُعضلة التي لن تفهمها حتى يتلبسك عشقها وهي تحتاج الى تركيبة مثلي ولذلك امثالك لايقعون في غرامها لا نك لاتحب المغامرة ولا تتواشج مع المجازفة و بنت البحر مغامرة ..قفز في ظلام جميل اذا تلبسك فلن يمكنك خلعه ابداً هذه هي القصة . يتــــــــــــــــــــــــبع

سُمـــــــــار بنت البحر5 حكاية طويلة!!

• افاق من حلمه على مسعودالطبال الذي كان يقرأه ، استغرب العلاقة بين طبال النيهوم وبين الحلم ؟؟ ربما تكون هناك علاقة فهو يدرك ان الحياة لعبة احيانا تتقارب اشياء ولاتفصح عن اسرارها ، هذه بنت البحرامرأة أسطورية حكاياها لايصدقها عقل ثابت؟؟ تعودنا على الثوابت ولم يكن للأساطير مكان الا حول امرأة قد لاتتكرر من قرن الى قرن .• هناك سذج ،لكنهم اشرار كما يقول أمبية، يوجد اذكياء يمتلأون بالطيبة ، الذكاء ليس دليلا على الخبث دائما كما ان السذاجة ليست حجة الاخيار ،الحياة لعبة كما قلنا وهذه هي احدى تقلباتها بنت البحرداهية و ذكية لكنها ليست خبيثة السريرة ، نظرية كمباري الدائمة في هذا الجانب النفسي هو ان التربية هي الاساس بمعنى البيئة والمحيط وليس الغنى والفقر لكنه يعترف ان ربيب النعمة اكثر عفة من غيره ولذلك هو عرضة للهلاك بسبب عفته ، اذا عشت في اذا عشت في عش جميل ستكون منبوذا فيه اذا مارست القبح ، لن يكون لك مكان في هذا المُحيط ، العجيب ان كمباري الذي يضع هذاالتحليل لم يعرف اب حقيقي ولا أم حقيقية كما انه فقير والام التي عرفها هي صوفياالايطالية التي ماتت ولم تقل له من أي بطن خرج!! ولايصدق انها لاتعرف ، لابد ان لها عذر لاني اثق في صوفيا ولا الح في الاسئلة عليها فأنا اعرف مقدار حبها لي كما يقول كمباري ا لذي لايتجاهل تاريخه العائلي ولذلك يقول: تعلمت كل هذا من صوفيا ويكفي اني لم اعرف غيرها ومع ذلك عندماكبرت لم تعمل على تعميدي ولم تذهب بي الى الكنيسة يوم الاحد رغم انها ارثوذكسية مُتطرفة لكنها قالت لي: انت من ابوان ليبيان مسلمان وعملت على ذهابي المنتظم الى الجامع كي استمع الى دروس الشيخ مصطفى في جامع الماجوري القديم ، كان يمكن ان اكون مسيحيا وايطاليا اذا ارادت صوفيا ذلك ، لم يكن احد يمكنه ان يمنعها غير ضميرها فلا احد يعرف اصلا اين ولد كمباري ومن هما ابواه بل وحتى تفاصيل ولادته ولكنه وجد نفسه في ليبيا ورحلت صوفيا دون ان تقول له ولم يعد يهتم كثيرا بذلك. • بنت البحرتتقافز تحتاج الى خبزهاالمُرطب فذوقها مُتقدم كما عرفنا ، يصرفتحي على ان يشترى لها البسكويت من مصطفى البابا ، بسكويت يوناني مُطعم بالشوكولا والكريم يشبه الكيكة في رطوبته ورخوه ..هكذا هي بنت البحرعفيفة راقية في مذاقها .
• تبدى الصبح يا جماعة ، يوم الجمعة دائما ثقيل ومُزعج وليلة اللبارحة اكيد كوابيسكم مزعجة .
• قال ذلك فتحي بينما يحاول إثارة ضجة لايقاظ الشلة التي ارهقت بسبب ليلة طويلة قضوها في الغناء .
فتحي كان مجنون سلوى زوجته لايدري ما شعورها الان، مر الزمن وتراكمت الشجون تجاوزت الحياة هذا بالنسبة له ، لكنه احبها بجنون ،كان يتسلل اواخر الليل بسيارته الميني ، يرمي لحاف امه القديم فوق جسده وينام داخل الميني التي كانت مصفوفة الى جانب سور منزل اسرة سلوى ، يتندرون على هذه القصة الان، لكن احميدة يفهم ولا يمكن ان يفهمه غير عاشق مثله كان يفعل اكثر من ذلك قرب بيت حبيبته ، مثل لص كان يتسلل الى الحديقة ليتنسم عبيرورائحة بنت البحر ذات مرة كاد ان ينتبه اليه احدالاطفال الذي خرج الى الحديقة ، تسمر الطفل ولمعت عيناه واصيب بالرعب ، بقيا للحظات يحدق كل منهما في الآخر متسمرا ثم فر من امام الطفل المندهش المذعور لكنه يثق ان صورته علقت في ذهنه
بنت البحر ماكرة تحاول هي ايضا ان توقظهم بنت البحر مزعجة جميلة بنت البحر حبيبته لن تقتل حبه وان ارادت ، مزروعه هي في دمه وكيانه لن يثنيه صدها ، هي دائما الاجمل في حياته ، اجمل واحلى من كل شيء ، لاتحاول فكل هذا الصد وقود لحبه ، مزيد من الاشتعال في حروفه ، هو غبي اضاعها بحرصه المُفرط عليها !! قال له امبية :
- هل يضيع الاحباب من فرط الحرص ام من مبالغة الوجع؟؟- من الاثنان معا !!- كيف ذلك ؟؟
- كانت تشك في مشاعري نحوبنت البحرتلك عزيزة وكانت هي حبيبة قديمة ثم ابتلعها الزمن؟؟تزوجت وانجبت وملأت دارها عيالا ومع ذلك ماتزال تشعر انها تملكني ولذلك تفسد كل شيء ترسل ضرباتهاالعشوائية علها تصيب اذا صدقت ظنونها ، وكانت تملك وسائل الخراب ، غبي انا يا صديقي، كم انا غبي ، كنت اتغزل في عزيزةامام بنت البحرلابعد الشبهة عنها ولاثبت لعزيزةانها واهمة وكنت اظن اني اهديء من روعها لكن عزيزة لم تكن واهمة ولم يكن ليفيد ما خططته فإذا بي افسد كل شيء بسبب غبائي وقلة حيلتي ، وكان هذا الحرص الغبي والساذج كالسحر الذي قلب ظهرالمجن وادار ظهره للساحر وضحك عليه ، لاتحرص على حبيبتك بهذا الاسلوب البائس ياصديقي فها أنا اجتر اوجاعي بجانبك واحدق في بنت البحرالمزيفة كالاحمق المأفون .كمباري ملح الشلة بإبتسامته التي احيانا تحس انها مُغتصبة يكابده ادعاءها مثل الضحكة الحكومية التي يرسلها الساسة لضيوفهم للمجاملة وربما في اعماقهم لايحبونهم ، لكن كمباري يحب الشلة هذا هو الفرق العميق بينه وبين رجال السياسة.طال غياب كمباري لم يعد في الارجاء ، لم يعد حوله أي خبر وهو رجل غريب في كل شيء حتى لايعرفون من هم بقية اهله لكنهم اشتاقوا اليه والى سخريته اشتاقواالى تعليقاته المرة .سيعود ، اين سيذهب ، ضرب عسكري انجليزي سكران ؟ وماذا في ذلك؟؟، انا ايضا في مصر كنت طفلا ضربت انجليزياُ وشجيت رأسه بطوب وهربت ..قال ايه الحكاية ذلك ثم حاول تغيير الموضوع . لكن الشلة لم تنسى هذا البحار العجيب بقبعته اليونانية واحيانا بصلعته اللامعة مثل مطار بنينا كمايقول التشوش.
• ماتت ياسمينة وجدوها في الصباح مسجية في فراشها واصبعها متخشب مرتفع نحو السماء ، تنادت الشلة والتئمت امام بيت البوكسياري كل منهم حمل ما يستطيع حمله الى هناك حيث بيت العزاء ،ابوالفشنك تحمل مسئولية الشاي وتوزيعه على المعزين ،احميدة دس في يدالبوكسياري مبلغا من المال ،التشوش يستقبل المُعزين ويودعهم مع البوكسياري ويسهر على راحةالبعض الذين جاءوا يعزون من خارج المدينة ،امبية كان يحضر من السوق كل ما يحتاجونه على دراجته فرج الحوات احضر خيمة قديمة من الريمي ،خبر ايه حمل حرفته معه إلى بيت العزاء ، حراسة المكان من السرقة وايضا الحفاظ على الاطفال وبيده خيزرانة رفيعة يرعبهم بها كلما اراد طفل ما الخروج الى الشارع في غفلة عن امه ،البوكسياري لم يكن محتاجا للمال لكنه يحتاج الى هذه اللمة الحميمية حوله ، كان حزينا على امه التي رحلت قبل ضرتها العجوزمرضيةاما فتحي فقد تكفل بإحضار كل ما يجده فوق السفن الراسية بالميناء وزملاءه حملوا له ايضا السردين والجبن والتوست والحصائر القديمة التي يرميهاالبحارة.
يتبــــــــــــــــع

الخميس، 14 مايو 2009

سُمـــــــــار بنت البحر4 حكاية طويلة!!

احميدة لم تكن حبيبته ترفضه او حتى تقبله ، لاامل فيها ولايأس ، علقت بذهنه كلمات لكامل الشناوي (انا لاافزع الا من شيئين : آلام مرض لااعرفه وغموض إمرأة اعرفها ، وقد اعالج الام المرض بيأس او امل اما غموض المرأة فلايجدي معه املي فيها ولايأسي منها) وحبيبة احميدة ليست غامضة او غير غامضة ، هو احبها فقط ، وهذا الحب اوقفه في ركن من الحياة ، ركن معطل عطله هو ايضا ، اختلف كيانه عن كل الكيانات ، اصبح يرى نفسه من خارج نفسه ، هذه هي مشكلته في الاساس احميدة يحب بنت البحر التي في خياله وعلى الارض سرقت قلبه منذ ان كانت طالبة صغيرة في البركة وهذه الشلة التقت بجانب بنت البحر ، اصبح من سُمارها ليربط حبيبته بها ، ليتحدث اليها ، ليناجيها ، ليتعذب بها، ديدنه العذاب بسببها ، لكنها ليست هي وليسوا هؤلاء عشاقها ، هو عاشقها الحقيقي ، لايقول سره لاحد ابدا ، يقول فقط انه يحب امرأة اسطورية مُختلفة ، ولذلك اصبح سره مدعاة استغراب لدى الشلة احدهم قال له ذات مرة : الرجل الذي يكثر من مدح المرأة سيدفعها الى الظن بأنه لايستحقها ، هذا مثل يقولونه في فرنسا ، وكم هو تعيس لانه لايقع الا في من ينكأ دماءه و يثير فيه كل العقد ، لكنه اصبح موضوع حديث من آن لآخر ، حديث يدغدغه ويذكره بحبيبته ويؤلمه احيانا، حديث عن امرأة مجهولة ظنوا انها لاتوجد الا في مخيلة أحميدة ، ولكنها امرأة حقيقية كأنها لم تخلق من طين فج بل من ورود عطرة ، هذا هو الذي يراه وهذا هو الذي يحلم به ايضا ، هم لا يعرفون هذه الطفلة الباهرة ولن يعرفوها ، هو فقط من يعرفها.• كان يلتقي سلمى خلسة وكأن الذي بينهما عشق مُتجلي ، علاقة غريبة في مجتمع مُصاب بالفصام في كل علاقاته ، لايلتقى الرجل والمرأ ة الا اذا كان ذلك الملعون ثالثهما ، اطلاقية غريبة هذه وكأن هذا الملعون لايغفو !! لكنه فعلا لم يكن ثالثهما ، كان الود هو الذي يجمع سلمى و احميدة وليس غيره لكن من يصدق؟؟ قال لها ذات مرة : ترى اذا جمعنا حزنينا وجعلنا اللقاء في عش واحد فنحن مجروحان نحتاج الى تضميد كل منا للآخر لكن سلمى اعتبرتها خيانة لصديقتها ، نذالة من نوع مختلف !! قال لها : ليس بيني وبينها ما يستحق ، قالت : نعم ولكن كل امرأة تحب امتلاك المهووسين بها ، لكن سلمى و احميدة كانا يفترضان ويمزحان فقط .• سلمى يليق بها الجمال ، إمرأة ممتلئة بحضور يفهمه الرجال وتغار منه النسوة تزوجت برجل معوج النفس لايليق بها !! وربما كان هذا دافعا نفسيا قويا لتناغمهما وكان يحز في نفس احميدة كلما تذكر حكاية الا يليق رجل بإمرأة ما!! ، لم تكن عقدته اصلا ان بنت البحر اختارت غيره او ان حبه لها من طرف واحد وانما كانت في ان حبيبته ترى انه لايليق بها !! هذه هي القصة في اصلها ، و سلمى تزوجت برجل لايليق بها !! ياللمفارقة ، اليست الحياة لعبة تعلمنا كيف هي تفاصيلها؟؟.• لااحد يفهم الاسطورة ويصدقها ويعتبرها حالة جميلة غير سلمى وسلمى لايخلى الناس من عذاباتها ولكنها بنت جبل ، هذا هو الفرق ، سلمى استعارت من المردقوش نبتة الصبر والفهم معا تفهم حالات عشاقها وتعاطت معهم كما يتعاطى تيه الجبل مع عاشق تأسره روائحه كلما مر جانبه وعشاق هذه الروائح يصعب حصرهم. • لايفهمون ولايدركون حجم مأساة أحميدة تحزنه معاني كثيرة في تفاصيل عشقه لهذه البنت ، احيانا يحس انها هي ذاتها لاتتصور حجم مكابدته ، سيطرت بنت البحرعلى كل حواسه ، ذات حلم رأى حكاية غريبة ، فنان يريد ان يرسم لوحة على شاطيء البحر وكان على الشط يرسو مركب بائس صُنع من سعف نخيل خاوي ، كان ذلك هو مركبه ، كان الفنان يشكل لوحته واجواءها القريبة منه ولكنه كلما بدأ في رسم المركب خرجت له بنت البحر من تحت الماء لتمزق اللوحة!! لعدة مرات يفعل ولعدة مرات تخرج بنت البحر إليه تمزق لوحته ثم يبدأ من جديد قال الفنان تبا لاصرار هذه البنت إنها لاتريد ان يكون مركبك في بحرها ، لكني اصر واتمسك بعنادي فلا معني لهذه اللوحة بدون مركبك الحزين الراسي على الشاطيء ، اجده يصر على البقاء هنا بجانب روائح بنت البحر العشق هو العشق ، العشق حالة عناد جميل وانا احب العناد لوحاتي جميعا رسمتها بروح عنيدة ، كم يستغرقني الوقت ؟؟ لايهمني ، هذه لوحة لامعنى لها ولا رائحة بدون مركبك ، لن تهزمني هذه الشيطانة ، لكن بنت البحر ربان عنيد ومتجبر لايعرفها الفنان كما يعرفها أحميدة إنها امرأة من نوع لايتكرر وربما هذا من سوء طالعه ، يتذكر انه جثا يتوسل الفنان ان يكمل لوحته بدون مركبه قال له:• يعرف قاربى ان النجاة مستحيلة لكنه!! يغتاله الشوق و يغتاله القرب لايفكر كيف ان شاطئها يرسم له حتفه وهو سائر فى ظلماته يبحر..يبحر..يبحر..ثم يعود خائب العمق كالعادة يعود لان مركبه من اعجاز نخل خاوية ترميه شواطيء بنت البحر كحوت نافق!! ثم يعود للابحاروتزهر صفحاته كلما ابحر نحوها فاغفر لى هذا الانتحار البطى ء للوحتك !! بحرها هي لوحتك المُزدانة بالوان الشوق وقاربى فى ركنها مائل وها انت ايها الرسام جئت به الى ذاكرة لاتعطفُ!! تحلق فى سماء اللوحة كل الالوان المبهجة ماعدا قاربى كان النشاز الوحيد تكاملت جوانبها لكنك حائر فى اسناد قاربى فطيفها لايرحم فدع عنك هذا الحارس على راسك ، كلما حرثت بريشتك جاءتك تزمجر فتعيد رسم اللوحة يعود القارب اليها تعجز ريشتك فقد حلقت بجناحيها فى فضاءها وغرست اظافرها فى سعف القارب!!فعبثا ما تشكله انت بصحبة مركب مائل!!سأغفر لك غفلتك لانك لم تفهم ايها الرسام:هذه لوحة ترسمها بزوايا من وهم ٍاذا اصريت على ان توشيها بمركبي فلاتجهد ريشتك بحرب لن تتوازى ابدا!! تكاملت جوانب لوحتك فارمى وراءك نشازى ولاتسرب اليأس الى خطوط قد تنتحر من فرط المكابدة وانا بحار مغامر تعودت على اشواك بنت البحر وشربت من سمها حتى تقرح قلبي وقد يعود رسام العشاء الاخير ولوحتك لاتنتهى!!انا..من انا؟؟ما انا الامفتون بائس سقفه من سعف النخيل قد استهلكت الوانك وشوشت مخيلتك انا عاشق عنيد خارج لوحتك تحطمت على ابواب قاربى كل عذاباتها فارسم ، ارسم لوحة ببحرها وطيفها واسحب قاربى الوهمى حتى تكتمل فصولها. يتبــــــــــــــــــــــــــع

سُمـــــــــار بنت البحر3 حكاية طويلة!!

• احميدة لم تكن بنت البحر بالنسبة له سمكة تتقافز هؤلاء عشاق مجانين لايليقون بحبيبته ، ولكن الذي جاء به الى هنا بالفعل هو ان حبيبته أفق آخر، حكاية اخرى ،من بحر آخر، طفلة ساحرة من البركة، شبكته دون قصد منها واحب فيها كل شيء افتقده في النساء ، الحبيبة والام والصديقة والابنة الشقيقة للروح والدفء المُتجلي ، هي لم تكن تقصد ، هو وقع في شباكها ، عاشق البحر هو لكن البحر غادر كما تقول شلة الشابي وبدلا من ان تكون الشباك تحيط بحوريته احاطت به وقيدت روحه واصبح مُخلصا لحب لاتفهمه هي حتى!!، حرم علاقاته بكل النساء من اجلها ، كان يؤمن بأن حبه من الخيانة ان يتلوث بعلاقة اخرى حتى ولو لم تطالبه بنت البحر بذلك ، صنعت له ضمير من احلام دافقة ، كان هو مُهيأ ً لشباكها اصلا ، لكنها هي كانت مهيأة لشباك اخرى ، احلامها في صياد مُغامر يختلف ، لذلك جاءها من مُحيط بعيد وبحر مُغاير ، ظلت هي عصفورة احميدة المهاجرة وظل هو يجتر آلامه ، وكانت بنت البحر تعرف ذلك لكنها لم تعنيه ولم تتمناه ولم تكن تريده له ولم يكن بيدها امره بالرغم من انه يؤمن بأن امره بيدها ،خافت عليه من ان يؤذي نفسه وهي لاينقصها شهداء ولا دماء ، سبق ان ضاع كثيرون بسببها!!، ليس بينها وبين احميدة ما يستحق ذلك!! فلاطفته بحذر، لكن حبها تعمق لانها تختلف ، تعرف ، تفهم ،تختلف عن النساء ،تقدر بوعيها ما يحدث وان كان الحل ليس بيدها ، لكن شباك بنت البحر صنعت له عالم ساحر اكتظ بالعشق والامنيات والشعر والمعلقات التي كانت احيانا مثار سخريتها ولم يحسب احميدة حسابا لأي يوم وان كانت تشوبه من آن لآخر لمسة حزن تلهمه بإفتقادها يوما ما، مهما طال انتظارها لصيادها الماهر ، كان لابد له ان يأتي وقد أتى ، لعن اليوم الذي احضر فيه تعويذتها من بحر رأس الهلال وحنق على الحامدي لهذا السبب ، قال له يوما بعد ان شكا له انشغاله على حبيبته التي لم تقبل الزواج به ولم تتزوج غيره قال له: اعرف السلحوبي فقيه ماهر يفك أي سحر مهما كانت قوته واحميده يعرف ان حبيبته مشوبة بسحر ماكن فاعطاهما السلحوبي قفل ومفتاح يرمياه في مكانين مُختلفين: القفل على شاطيء راس الهلال(1) والمفتاح عند شاطيء قنفودة (2)، وقد كان، ولم يكن احميدة يؤمن بالأساطير وهي التي نكلت به ، لكنه سعد من اجلها لانه كان يحبها بكل تفاصيلها ..قال له السلحوبي هل هي اختك ام بنت عمك ام بنت خالك ام قريبتك ، قال له : كل هذا لا..قال السلحوبي : تحبها.. تضحية هي ولابد ، حسنا لايوجد اغبياء كثيرون مثلك كل المحبين يأتون إلى هنا كي يُنغصوا حياة حبيباتهم الرافضات لهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:(1)شاطيء راس الهلال..منطقة سياحية في الجبل الاخضر.

الأربعاء، 13 مايو 2009

سُمـــــــــار بنت البحر2 حكاية طويلة!!

فرج الحوات شاب مشوب بالغموض ، سماه كمباري فيمابعد[ الكاردينال الصامت ]ولااحد من الشلة يعلم سبب التسمية ، فرج الحوات رمت به المقادير شرطيا في بنغازي يعمل في النقلية بالريمي ، هاديء ، صامت ، فارع الطول ، احيانا يرتدي اكثر من لباس واكثر من جورب واحد ليوحي للناس بأنه اكثر بدانة من وزنه الحقيقي ، مُثقف يقرأ دائما الروايات الكلاسيكية القديمة وجد فيه احميدة دفء افتقده دائما ، عرفه على الصادق النيهوم واحضر له الشيخ والبحر وعمال البحر قال له : انت تجلس هنا في قلب هذه الشلة التي لاتعرف عن البحر اكثر مما يعرفه العاديون ، لابد ان تتعرف على البحر وحكاية سانتياجو مهمة للتعرف على هذا الهدير الغامض ، ورواية عمال البحر هي بذات الاهمية ، فرج الحوات لم يتزوج بعد يأتي الى الشلة بدراجته ويبقى حتى اواخر الليل ثم يعود إلى الريمي ، واحيانا يغيب عنهم عندما يذهب الى شقيقته المُتزوجة من احد ضباط الجيش وتسكن في راس اعبيدة بالقرب من معسكر الامداد ، حياته قضاها في القراءة والصمت المُريب ولم يجمعه بالشلة غير بنت البحر، له اراءه وتعليقاته حول الشلة التي يبديها بإقتضاب شديد لكنه يحاول دائما الا يخسر علاقته بأحد. · البحر غادر، البحر اعمق اسرارا من الانس والجان ، البحر عدو وصديق ومريد ورفيق جميل احيانا ، هذا مايقوله ، فرج الحوات ، والده كان بحارا قديما في بنغازي تزوج سيدة من عائلة البراني وبعد سنوات من الحرب العالمية الاولى اضطر لمغادرة المدينة بعد ان اصيبت بوباء هرب منه مرتعباً إلى سوسة المدينة الصغيرة الجميلة على شاطيء البحر ، زرقاء اجواءها مثل بحرها ، شقراء ايضا كما يقول ، فرج الحوات مثل سكانها الذين اتوا اليها من جزيرة كريت .. ، فرج الحوات لايتواءم مع الشلة في تفكيره ، لكن ركن بنت البحر وجد فيه مهرب من احزانه التي لا تُحصى ، هو جُذع من نخلة بنغازية ، اراد ان يُقاتل وحدة اليتم لكنه فشل ، فشل لانه بدون رأسمال بعد ان الم الفقر بوالده في سوسة ومات في غرفة نائية على الشاطيء بعد ان باع كل ما يملكه بسبب سهراته التي تعرف عليها كما تعرف على زرقة اجواءها وشقر اركانها ، تلك هي تصاريف الحياة كما يقول ، فرج الحوات ، لذلك ايقن بغدر البحار و ان القراءة هي الملاذ الوحيد للتعرف على الاعيبه حتى لايقع في حفرة ابيه !! تلك الحفرة التي حولته من مليونير إلى صعلوك ومن مورد للتبغ من الجزر اليونانية إلى بائع اصداف عند صخرة الموت التي لقى حتفه بقربها .· غاب كمباري لعدة ايام لم تنتبه الشلة في البداية ظنوا انه كعادته في رحلة بحرية وربما ستطول لان كمباري قال لهم ان رحلته القادمة إلى بحر الشمال ، لكن الاجابة لم تتأخر كثيرا فقد جاءت الشرطة بعد يومين من غيابه وقلبت الكوخ بحثا عنه ، قيل لهم انه قام بلكم احد الاجانب ، وطالت غيبته وغابت اخباره ايضا ولم يعد الى الشلة واغلب الظن انه لم يعد في بنغازي ، لقد هرب كمباري .· مجتمع صغير صنعته هذه الشلة بحجة بنت البحر ، لكن الحجج قد تتراكم ، هناك الملل والوحدة والشعور بالاغتراب والوحشة كما يقول ابوالفشنك الصعيدي الصعب المراس الذي كان يؤكد دائما انه من بني مر وهو رجل مر مثل عبدالناصر تماما كما يصف نفسه في اوقات السمر والنشوة ، لكنه عندما يواجه نفسه يقول اشياء اخرى ، يتبرأ من كل جذوره ، هو الآن ابن توريللي ولايعرف غيرها ، ولكنه احب توريللي وتعاطي معها وكأنها أمٌ رؤوم كما يكرر له جاره حميد العريبي الذي يحبه كما يحب توريللي ، ابوالفشنك له وضع خاص في الشلة لانه المكتشف الاول لبنت البحر ولولاه لما التقى هذا الجمع الرقيق كما يقول التشوش في شعره العامي · التشوش شاعر في حروفه ملايين السرد عاش ظروفا صعبه ووسط صعب ومُحيط اصعب على قمته أبٌ هو الآخر صعب المراس لايوجد ابجدية للحوار معه ، الحنان يعتبره نوع من الضعف والفضائح لذلك هو مدفون في اعماقه ، لايفضحه احيانا الا بريق عينيه من بقية دموع سرية لايسكبها امام الناس ، و التشوش يحب البحر ويناجيه ويسكب على اطرافه اسراره التي لايبوح بها الا لنفسه ، ولذلك كانت الشلة تطلب اليه ان يقرأ لهم مرارا حكايته مع البحر واسراره :·احميده الفايح كما يسميه كمباري احيانا (عندما يكون حانقا) بسبب اطواره الغريبة في الانكباب على القراءة مع فرج الحوات واحيانا امبية، عندئذ يقول كمباري : · - بدأ طابور احميدة الفايح .· ذلك لانهم كانوا يأخذون مكانا قصيا عن الشلة ويبدأون في التهامس.
يتبع

سُمـــــــــار بنت البحر1 حكاية طويلة!!

بنت البحر حكاية من احدي حكايات الذاكرة البنغازية .. كوخ صغير على ضِفاف الشابي ..التئمت فيه وجوه عدة..ليس يجمعها غير بنت البحر ..كل منهم له مدائنه وعالمه واسراره ومزاجه وحبه وكرهه وعشقه وهواياته وجنونه وعقلنته... بنت البحر جمعتهم..ربما ثلاثة او اربع او حتى عشر سنوات.. وبعد ان انفرطت عقودهم لم يعودوا يلتقوا الا لماماً..كونوا مجموعة لاتعرف كيف التقت و لاكيف تمازجت كل هذا الوقت..يحبون صيد السمك ،بعضهم يحب رفقة الصيد ولا يجيده، بعضهم لايجيد غير الجلوس على الشاطيء بدون خوض تجربة العوم في البحر ..· بنت البحر ظلت ذكرى في اذهان من بقي من الشلة حيا..وهي البحر حكاية بسيطة وعجيبة..بسيطة لانها قد تحدث في بقع اخرى من العالم وعجيبة لانها غريبة عن اجواء بنغازي التي نعرف. · يتثاءب واقفا، ظهره للبحر، شاطيء الشابي هاديء في يوم صيفي.. ومن البعد يبدو قرص الشمس يحتضر ويبتلعه الافق شيئا فشيئا .. كمباري ينتظر الشلة..بينما امامه كوخهم الذي صُِنع من سعف نخيل اللثامه ..قال جنقوله ذات يوم: - احرق يارب من يحرقه واقطع يارب من يقتله!!!- اللثامه شمس النهار..قمر الليل.كما يقول التشوش ..صنعوا كوخاً يرتفع قليلا عن سطح الرمال بينما يتم الصعود اليه بسلم خشبي صنعه لهم بإتقان البوكسياري النجار ابن النجار القديم (ابوصلاح)او الشيخ جبريل الذي تحول الى عطار اما سعف النخيل فقد اجاد ربطه واحكامه كمباري البحار ، هذا مُبتدأ حكاية سُمار بنت البحر .· اقترب موعد حضور الشلة..كمباري يأتي مُبكرا لبنت البحر ..يجهز الفحم والنار والشواء ويترك الشاي لهم..هذا هو شغله ، اهتمامه الذي لايقبل لغيره ان يقوم به منذ ان وجدت الشلة نفسها تلتئم قرب البنت..ولايعرفون البداية لهذه الالوان المتداخلة الا من خلال بنت البحر.. كمباري نفسه لايعرف كيف التئم الى هنا..هي جمعتهم..وهي ايضا فرقتهم بعد ذلك!!.· كمباري رجل مقطوع الاهل..يسكن بالايجار في بيت قديم بالبركة ..تعرفه بنغازي القديمة بشخصه..ولكن لااحد يعرف شيئا عن دواخله او غموضه ، كل افراد الشلة قال لهم جيرانه (وعينا الدنيا فوجدنا كمباري يسعى بين الناس)..من اين اتى؟؟ ومتى؟؟ لايعرف احد من الصغار ولم يعد يذكر احد من الكبار ...ولم يعد احد يسأله ..بالاحرى قلبوا هذه الصفحة ولم تعد تهمهم..لانهم لايتصورون الحياة بدون كمباري بسبب اسئلة لم يعد لها معنى !!بالرغم من انهم افترقوا بعد ذلك.. لكن كمباري واحد منهم..يغيب احيانا شهرا كاملا في اليونان او ايطاليا او احيانا بحر الشمال او اينما تحمله السفينة الايطالية التي يعمل عليها ثم يعود الى بنت البحر يجمع الحطب ويشرف على الشواء وينفذه ايضا..شواء لحم العجل واحيانا كثيرة السمك..واثناء غيابه كان ثلاثة منهم على الاقل يقومون بمهامه المتعددة .· من خلف الكوخ والشمس تسافر تبين شبح التشوش !! اشار له كمباري ان يسرع فقد بدا الهدوء مُخيفا ، والتشوش شاعر رقيق سمته الشلة بهذا الاسم لانه كان يصرخ كلما عاند الحوت واكتشف بغريزته الاعيب الصيادين وشباكهم فيتجنبها ..كان يصرخ من طرف المركب: التشوش يا جماعه (أي عليكم بالديناميت!!)..كم مرة تغنى واطربهم بأشعاره اذا كان مُعتدل المزاج .. كمباري بحار لكنه ليس صيادا ماهرا..يحب البحر ..لابد ان يراه كل يوم ويشنف اذنيه بصوت الموج ويتمتع بمشهد الزبد وهو يترامى على الصخور، يحب اكل السمك بعد ان يصطاده اصدقائه له!!...· لكنهم هنا ليسوا صيادين..انهم سُمار يلتقون... بنت البحر هي التى جمعت هذا الجمع من الماجوري والبركة والصابري وسيدي حسين والفعكات والسكابللي والريمي..جمع تعرف على بعضه البعض بمحض الصدفة..كانت احياءهم وولاداتهم متباعدة..انها بنت البحر. · ذات يوم عندما مر ابو الفشنك الصعيدي بالقرب من مكان الكوخ على شاطيء الشابي لاحظ فجأة وهو يتسكع جسما غريبا صغير الحجم يتقافز في الماء بإرتفاع متر واحد ثم يعود الى العمق..مشهد لم بألفه وهو ابن توريللي لصيق البحر منذ ربع قرن..دفعه الفضول الى الاقتراب..فإذا هي سمكة صغيرة الحجم ولها رأس مُستدير مثل كرة التنس ..وقد يكون مألوفا في مناطق اخرى من العالم هذا المشهد..قد يتقافز الحوت من جميع الانواع والاحجام..ولكنهم هنا لم يتعودوا على ذلك ..هنا مكمن الغرابة..تجمع الناس حول ابوالفشنك ..بعضهم جاء به مصدر صراخه من فرط دهشته ..بعضهم ارتعب وابتعد..بعضهم اندهش ولم يهتم ..البعض الاخر ارتكن الى البحث عن الحقيقة ولم يصدق حتى شاهد بنفسه ..وفي كل يوم يتوافد الناس ويجلسون بالقرب من الشاطيء لمتابعة المشهد..تعرف بعضهم الى البعض بعد ان وصلت اشاعة بنت البحر الى كل الاحياء ..ثم مع الايام تقلص الاهتمام فلم يبق من هذه الاطياف غير هذه الشلة.. بدأت اللقاءات بالشاي تحت السماء ويوميا ثم تطور ببناء الكوخ من سعف نخيل اللثامة ، وتعاون الجميع في البناء. · ايه الحكاية احضر الفرش و ايه الحكاية رجل من اصل ليبي ولد في مصر وانتقل مع عائلته الى بنغازي صغيرا..احيانا تقابله مواقف غريبة فيعبر عن دهشته بقوله (ايه الحكاية) باللهجة المصرية فما كان من الطلبة الاشقياء الا ان ينادونه(ايه الحكاية) فتعلق اللقب به. وهو من الذين يطلق عليهم وصف (l.b) عاد مع اسرته وكان مُكتظاً بأحلام الثراء ، باعت اسرته اراضيها الزراعية في الفيوم على امل التعويض المُجزي في ليبيا انتهى الامر بأبيه فحاما في غابات البياضة بعد أن كان صاحب ارض يأكل من بطنها اصبح اجيرا يعمل باليومية ويسكن في براريك الكيش التي يغمرها الوادي كل عام وبعد ان كبر ايه الحكاية وبسبب تركه للدراسة مُبكرا انتهى به المطاف حارسا للقسم الداخلي بمدرسة البركة الدينية ومادة للتندر من قبل الشياطين هناك .· جنقوله ولد في الماجوري..ديدنه بعد ان يجمع الجنيهات من عمله في الميناء ، يسافر الى الاسكندريه ينفقها هناك خلال سبعة ايام ثم يعود هذا برنامج حياته ببساطة..انسان حبوب وطيب لايؤذي احدا ويتأثر اذا تعرض احد ما للإيذاء. · حضر امبية وهذا شاب عرفته رفيق دراجته ، قصته ليست غريبة ، ربما فريدة ، دلله ابوه فأشترى له دراجة كان يذهب بها الى مدرسة سيدي حسين يركنها قرب السور وعند نهاية اليوم الدراسي يجدها في مكانها (كمباري كان يقول لو انك تركتها اليوم لسرقت ولوكان حارسها بنت البحر).. قامت مظاهرات الطلبة عام 64 اختطفها منه عسكري في القوة المتحركة وعندما حاول مقاومته قام العسكري حنقا بتحطيمها بحجر بناء حتى تحولت الى بقايا دراجة وكأن قد دهستها عجلات بطاح!! ،اشترى له والده دراجة اخرى..ولكنه مايزال يذكر المرحومة بكل حسرة..يقول انه يرى الان ذلك العسكري في الاسواق ويتمنى لو ينتقم منه...امبية هو الآخر جلبته الى هنا بنت البحر بعجائبها...البوكسياري مُلاكم مُتقاعد رغم انفه ، آخر مباراة له هُزم فيها بمذلة جعلته يغيب عن انظار الناس بضعة اشهر حتى وجد شلة بنت البحر ، عاود الظهور من جديد وخرج الى الشارع بفضلهم ، لكنه لم يعد الى الملاكمة ، يحزن لذلك احيانا ويعبرعن هذا الحزن لاصدقائه ، لكنه في قرارة نفسه مُغتبطا لانه ما يزال على قيد الحياة..البوكسياري ..امه ياسمينة ، كانت من اجمل النساء ،ووالده الشيخ جبريل العطار..تزوجها في ريعان شبابها (يقول البوكسياري) : اشتراها ابي وانجب منها ثم مات بعد ان ترك لها مسئولية حتى اولاده من مرضية العجوز ونحن ودكان العطارة..وياسمينة ام (البوكسياري) حكايتها حكاية لاتسمعها الا امرأة تشعر بأنها ياسمينة ذاتها كما يقول البوكسياري ،الشيخ جبريل عندما تزوج ياسمينة كان رجلا مسنا ، وقوريحترمه كل اهل الحى الذى يسكن فيه ، طويل القامة ، فارع ، خفيف الحركة والظل والدم والحضور .. يصحو مبكرا .. يصلى الفجر ، يدعو كل الفقهاء لجلسات السمر.. يسافر الى مكة كل عام ، تقوم زوجته الشابة ( ياسمينة)كل صباح بإعداد القهوة بدون سكر ، يفتح الشيخ جبريل المذياع كل صباح ، يسمع كل الاخبار من لندن الى مونت كارلو ، تسأله عن اخبار العالم ، يزودك بها طازجة وعلى المقلوب!! ويسمع بعض الاذاعات العربية ، ويعرف جميع انواع العطور عن طريق الشرق الاوسط !! لايعطيك ولا يأخذ منك ، موقفه فى الحياة (اسلم , تسلم) ،تزوج وعش ومتع نفسك!! يهزأ من الحرب الدائرة فى لبنان ويقول عنها ( لعب عيال ) ويقول انه لايوجد مشائخ عاقلون يحلون المشكلة كما انه لايفهم شيئا فى الحرب الباردة ويقول انه لايوجد ابرد وجها من مرضية ، يخرج سيارته الفوكسهول الانجليزية العتيقة من المرآب بعد قهوة الصباح ، ويذهب الى دكانه فى السوق ، يتجاذب الاحاديث مع التجار ويبيع العطور للعجائز والفقهاء ويحفظ اسماء الاعشاب والاحجبة والتعاويذ , يرجع الى المنزل عند الظهيرة ، ينام قليلا ،ثم يقوم لتناول الغداء ، يذهب مرة اخرى الى دكانه بصحبة اولاده لمواصلة البيع والثرثرة حتى المساء..وفى المساء تبدأ حكايتهم...عند بدء الليل تلتف اسرة الشيخ حول التلفزيون ، بما فيهم الحاجة( مرضيه) زوجته الاولى والتى تتساءل بينها وبين نفسها في خبث:كيف نفع جبريل مع ياسمينة؟؟!! ويحب الشيخ البرامج الخفيفة ، مرح ومتطور!!وترتعش يداه عند مرأى ( احدى المُطربات) وهى تغنى ،كان يقول بينه وبين نفسه ان عنقها عبارة عن زجاج او سلوفان شفاف تبان من خلاله كل الوان ماء الورد الذي تشربه وهومنساب الى بطنها، احيانا تسقط المسبحة من يده دون قصد!! وفى بعض الاحايين تنتابه هستيريا الوقار ، فيقفل التلفزيون ، ولااحد يجرؤ على السؤال عن الحنبلية المفاجأة ، يأمر الجميع بالذهاب الى مخادعهم بصوت جهورى ولايستثنى من الهستيريا حتى مرضية التى يتظاهر لها بالود والاحترام فى لحظات الهدوء.فهمنا بداية الحكاية على ذمة (البوكسياري) الذي جاء يفرغ جعبته عند بنت البحر.. الشيخ الوقور له زوجتان، الاولى تزوجها فى شبابه ، الثانية اشتراها من السوق ( على حد قوله ) عندما جاءت ذات نهار برفقة امها تبحثان عن وصفة لسوء الحظ أو لقلته ، اعطاهما الشيخ الوصفة بأن اشترى الفتاة من امها مقابل الحج الى مكة ، مهمة ياسمينة الطبخ ثلاث مرات فى اليوم ، تدليك ارجل الشيخ كل مساء..التربيت على ظهره قبل النوم! اما مرضية فعليها ان تأ كل وتستريح..لانها تفانت فى خدمة الشيخ ثلاثون عاما قمرية متصلة ، وآن لها ان تنام لوحدها دون ازعاج..و للموظفة الجديدة ( ياسمينة ) مخصصات ليست يسيرة ، فأمها تذهب الى الحج كل عام تتبضع على حساب الشيخ ، وشقيقها يسافر للاستجمام فى اوروبا على نفس الحساب , ويذهب ايضا والدها للترفيه عن نفسه ايضا على نفس الحساب الى لندن.. الجميع يأخذون باسم ياسمينة التى لم تعرف الحج ولم تسمع عن لندن .. ولم تخرج من البركةالا مرة واحدة الى الصابرى حيث يسكن الشيخ جبريل .. اما الشيخ فهو اغلب الاحيان فى عطارته واحيانا فى الحج ويسمع الاخبار ويحللها على طريقته ويشترى ( النعاج) كما يشترى ايضا شباب العذارى بدكانه على حد تعبير (البوكسياري)..الشيخ جبريل مات وترك لياسمينة هذا الكوم من الرؤوس المُعقدة مثل (البوكسياري) .· احميدة كان اصغرهم احضره كمباري إلى بنت البحر واضافه الى الشلة ، لم يحضر بداية الحكاية ولم يعلم بها الا من خلال حكاياتهم ، شاب يتيم يعيش في بيت والده ميسور الحال لكن امه غيبها الموت وهو طفل رضيع ، يعطف عليه كمباري ويحميه ايضا ، واثناء غيابه في رحلاته البحرية يعهد به الى التشوش فهو الاقرب اليه لانه شاعر واحميدة يحاول كتابة القصة.· حضر الجميع وجُن الليل وهدأت الاركان الا من صوت تقافز بنت البحر المعهود وهي تلتقط فتات الخبز الذي ترميه لها الشلة والتي لم تعد تهتم إلا بجوارها او انها اصبحت جزء من السمر والمكان الذي صنعوه ، ويتعالى دُخان الحطب الذي تأكله النار التي هي اخف وارحم من نار جهنم كما يقول ايه الحكاية. · ذات ليلة من ليالي سُمار بنت البحر قطع سكون الموج صراخ إمرأة انبعث من الشاطيء ، بالقرب منهم ، كانت المسكينة تقاوم شابا يحاول إغتصابها ، هب الجميع إليها واوسعه ايه الحكاية ضربا بهراوته التي لاتفارقه حتى غرق في دمائه وهرب بأعجوبة من قبضاتهم ، قال البوكسياري :- لكنها داعرة معروفة.- ايه الحكاية برر موقفها : - ايه الحكاية ياجماعة هي داعرة ولكن بمزاج رائق!!- ضحك الجميع. · فتحي ..ضعيف البنية قوي الارادة شهم وغير كسول ، يعمل في الميناء (حمال) ، كانت مهمته صعبة في البداية لكنه اصر على الاستمرار فليس ثمة حل فهو ابو البنات الستة ، يحتاجن الى اكل وشرب ولباس ، وكلها بنفقاتها حتى زواجهن يحتاج الى ذلك ،ذات مرة اختلف مع ايه الحكاية وكاد ان يصل الامر الى اللكم لولا تدخل كمباري قال فتحي يومها لايه الحكاية (انتم الذين اتيتم لنا بهذه العادات المُكلفة كنا في خير وسلام حتى علمتمونا قصة جهاز البنت). · عندما جاء فتحي للميناء وجد امامه اشاوس مفتولي العضلات ، سخروا من هيئته وبنيته ، لكن الذي بينه وبين نفسه اقوى ، كان الخبثاء يريدون الاطاحة به بأي ثمن ، اعتبروه دخيلا وغير موثوق به !! وكان مدخلهم لاحباطه هو ما يبدو عليه من قصر وهزال ، اتفقوا على محاصرته ليترك العمل ، حاولوا زرع اليأس والملل في نفسه ، ذات مرة كانت هناك سفينة ايطالية تحمل شحنة سكر ، وكانت العادة ان تضع الرافعات (البراقة) فوق السيارة واحدة بعد الاخرى ثم يحمل كل سائق مجموعة من العمال لتنزيل الاكياس في المخازن ، تشبث فتحي بإحدى الشاحنات وهناك حيث التنزيل كان العمل يصطفون على نحو افقي بجانب الشاحنة ووجوههم عكسها لكي يقوم عمال آخرون من فوق الشاحنة بوضع الاكياس على ظهورهم ليحملوها الى المخازن ، احدهم رمي الكيس عمدا بثقله على ظهر فتحي لإنهاكه لكنه كان يتوقع الفعل فيستقبل الكيس وهو مستعد نفسيا وجسمانيا لحمله ، مع الايام تعود العمال على فتحي بعد ان روى لهم سر اصراره ونوع متطلباته ، الآن فتحي هو احد سُمار بنت البحر ، يأتي من الميناء مُحملا بالخبز وعلب السردين التي يتحصل عليها من بحارة السفن ، كمباري فقط لايحب السردين لانه مل من صحبته في السفن ، يشتاق اليه احيانا فيثير حنق البوكسياري عندما يُصر على شواءه ، رائحته مميزة كما يقول كمباري ، لكنهم طيبون ، البوكسياري طيب اكثر ويحب شلة سمار البحر ، يبذل جهدا من اجل ان يروح عنهم ، سخي ، احيانا يثيرهم بتجاوزاته ، فقد نقل كوخهم على كتفه مرات عدة من مكان الى اخر على الشاطيء حول بنت البحر ، كانوا يختلفون معه عندما يفعل ذلك والغريب انه ينقل الكوخ في لحظات ولوحده اثناء ما هم في اعمالهم ثم يرتب كل شيء في مكانه الطناجر والأكواب والبراريد وعدة الشاي وكل ادواتهم التي يستعملونها في الطبخ والصيد ، البوكسياري لم يكن يقدم لهم أي اجوبه حول تصرفاته هذه بالذات (لم يروق لي مكان الكوخ) هكذا كان يقول ولا يضيف أي مبرر آخر ، مع ذلك فهم يحبونه لانه يحبهم واحيانا يدافع عنهم ويذود عن كوخهم اثناء مرور السكارى اواخر الليالي ، واحيانا اخرى يقف صامدا يسند الكوخ اثناء العواصف التي تمر على بنغازي اثناء فصل الخريف. .
يتبع
1. حي في بنغازي 2.""""""""""""""""""""""""3. ) (l.b).و صف عنصري كان يطلق على العائدين من المهجر وهي تعني (ليبي بترول)

الاثنين، 11 مايو 2009

انفلونزا المسئولين ..اماني محمد ناصر

على الشاطئ الرملي للبحر، جالسة كنتُ وحدي، على يميني فنجان قهوة وكوب ماء، وسيجارة لم أعتدها إلاّ في ذلك اليوم، وقبالتي يجلس على طاولة أخرى، ذات المسؤول الذي رأيته للمرة الأولى في العاصمة، والذي طردني من مكتبه حينما علم أنني لستُ صديقته المسؤولة الفلانية التي كانت تنتظره في الخارج وأخطأ الحاجب بيننا وأدخلني عوضاً عنها!!!كالعادة، كان حوله رجال يشبهون المصارعين الأميركيين…كنتُ أستذكر ماضيي الرهيب، ماضي مواطنة مقهورة لحد الألم والوجع، من مسؤول يركب أفخر أنواع السيارات لتقله لأفخم الفنادق في ذات الوقت الذي تنتظر به بفارغ الصبر الباص الأخضر الطويل كي يقلها لوظيفتها…من مسؤول يأكل الكافيار في ذات الوقت الذي تكون حصتها من الفلافل حصة القط الجائع دوماً…من مسؤول كل مفاتيح الكون معه، مفتاح رصيده البنكي، وسياراته الفارهة، ومنازله المتنوعة، ويخته البحري، ومعامله وشركاته، في ذات الوقت الذي تعتز فيه أنها كبرت وقدّم لها ذويها مفتاح منزلهم (الباطوني، نسبة إلى الباطون) الحجري…التفتُّ إلى حقيبتي لأتناول منها علبة كبريت صغيرة لأشعل سيجارة، وهج الشمس جعلني فجأة أطلق العنان لتكشيرة من حاجبي الأيسر كما يطلقها مواطننا المغلوب على أمره حينما يصل لسمعه زيادة أسعار المواد الغذائية…بحركة لا إرادية خبّأت وجهي بين يدي، كما يخبئ المسؤول العربي وجهه حينما يمر أمامه مواطن اختلس منه مالاً مقابل وظيفة له لن ترى النور (اختلس المسؤول من المواطن)…وعبثاً فتشتُ عن علبة الكبريت ولم أجدها!!!بصارة بصارة، تحبي آخد بختك يا بت؟قلت لنفسي ولمَ لا، لأجرب بختي…ناديتهاشوفي اسمك إيه يا شابة؟اسمي ريا، أقصد أماني…بيضي البخت…يعني إيه…يعني ادفعي فلوسمنين؟مش عارفة، ادفعي وبسالتفتُّ ثانية إلى حقيبتي لأتناول منها مالاً، وقعت عيني في عين المسؤول، رجفت، ارتفعت حرارتي، عطستُ، وركض كل رجاله ليضعوا كمامة على وجهه، خوفاً من انفلونزا المواطن العربي المقهور على أمره!!! فتشتُ عبثاً عن خمسين ليرة كانت في حقيبتي ولم أجدها…تناولتُ ساعتي وقدمتها لها، قائلة:- لا املك غيرهالا أدري كيف رضيَت بها وعلى مضض… المهم أنها رضيت وقالت لي:- اسمعي يا بت يا أماني، أمامك 3 مفاتيح، ماشاء الله ماشاء الله- كم؟- أقولك 3 مفاتيح!!!- يعني إيه؟- مش عارفة، حكتبلك حجاب تحطيه تحت مخدتك، وتنامي وتشوفي المفاتيح في منامك وتعرفي هيّ خاصة بإيه؟ورحت أفكر في هذه المفاتيح، هل هي لشقة وسيارة وشركة؟رصيد في البنك، ويخت، ومقعد في المجلس النيابي؟لماذا التسرع؟سأنفذ ما قالت وأرىولأني مواطنة عربية مغلوب على امرها، تعلقت بتلك القشة، قشة الثلاث مفاتيح وصدّقتُ القصة!!!ذهبتُ إلى المنزل، وعلى رؤوس أصابعي مشيت وفي يدي الحجاب أقبض عليه كما يقبض المسؤول العربي على كرسيه الجالس عليها…وضعت الحجاب تحت وسادتي كما أوصتني البصارة، ونمتُ قريرة العين هذه المرة دون الحاجة لابتلاع حبة دواء منوّم، إذ أنني سأرى مستقبلي كله متجسداً في مفاتيح حلم اليوم…ورحتُ في نوم عميق عميق، لأرى نفسي أمام ذات المسؤول الذي يلاحقني أينما كنتُ،وبيده الخمسون ليرة التي لم أجدها في حقيبتي!!!قلتُ له: حتى هذه سرقتها مني؟ نظر إليّ شذراً مقدّماً لي المفتاح الأول، دهشت، وفرحت، بل لم أستطع التعبير عن فرحتي، بالتأكيد هو مفتاح لمكتب المسؤولية، وأشار لي بأن أتبعه…تبعته وطعم القهوة التي رشفتها على شط البحر ما زال عالقاً على شفتي، أشار لي إلى بقعة من الأرض، ودون كلمة طلب مني أن أذهب إليها…ذهبتُ فرحة، بل ركضتُ ركضاً قبل أن أجفل من قبرٍ مفتوحٍ أمامي، التفتُّ لأسئله، فلم أره، عدتُ لأتأكد مما أشاهده، وإذ بيد على كتفي وصوت المسؤول ذاته يقول لي:هذا هو المفتاح الأول!!!أردتُ أن أسأله والمفتاح الثاني لمَ طالما آخر المطاف في الحياة هو القبر، فأسكتني بإشارة من يده وطلب مني أن أنزل هذه الحفرة!!!نزلتُ مرغمة، بل مجبر أخاك لا بطل، وأغمضتُ عيوني، وإذ بي أرى مفتاحاً في يدي، وباب من حديد، سررتُ جداً، لأشعر فجأة بيد ذات المسؤول توضع على كتفي طالباً مني أن أفتح هذا الباب بالمفتاح الذي بين يدي..ركضتُ ركضاً وأنا أفكر بما في داخل هذا الباب…وضعتُ المفتاح بالثقب، يالله، الباب لم يكن مقفلاً، فتحته، وإذ بنار تلسع وجهي، رجفت، جفلت، وتراجعتُ للوراء، باب نار جهنم فتح أمامي!!! لأسمع صوت المسؤول العربي يقول لي:هذا جزاؤك في الدنيا الكي بالنار، بنار لن ترينها أبداً…سألته لماذا؟أجاب: لأنك مجرد مواطنة عربية لا قيمة لك إلاّ بما تقدمينه لنا من جيبكقلت له: لكني معدومة الحالأجابني وهو يقدّم لي المفتاح الثالث وبيده سيجارتي التي لم أرشف منها رشفة واحدة، وعلبة الكبريت ذاتها: -ولذلك سيكون مصيرك كل يوم ما سيحصل معك من استخدام هذا المفتاح…نظرتُ إليه شذراً، ثمّ عانقت المفتاح الثالث والأخير على أمل ان أخلص من هذا الكابوس الرهيب الرهيب!!!وبإشارة منه، عرفت وجهتي، ذهبت بالاتجاه الذي حددته أنامله، ووجدتُ باباً، على الفور قمت بفتحه ، وهج الشمس جعلني فجأة أطلق العنان لتكشيرة من حاجبي الأيسر كما يطلقها مواطننا المغلوب على أمره حينما يصل لسمعه زيادة أسعار المواد الغذائية… لأرى نفسي بعدها أمام فضاء واسع والأرض من تحتي والسماء من فوقي، قررتُ العودة كي لا أقع على الأرض من هذا المكان الشاهق، وإذ بيد ذات المسؤول تقدم لي كوباً من الماء وتدفعني يده الأخرى من الباب، لأُرمى منه إلى الأرض، وأحاول جاهدة شرب كوب الماء كي لا أموت عطشى، وإذ بالماء يتناثر من يدي، لأستيقظ مبللة في فراشي وحرارتي مرتفعة ترافقها نوبة من العطاس الشديد، وأختي فوق رأسي تمسح عرق وجهي قائلة:فهمت… فهمت… الكابوس ذاته!!! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أماني محمد ناصر..اديبة من سوريا

حوار مع قطة سيامية.!!!

· قطتي.. حبيبتي ..ماتزال هي قطتي القديمة ، لم اتغير ولم تتغير ، ترسل لي هي القهر ، وتتدلل ، ومازلت احبها؟؟ دعوني اتخيل حوارا معها وتخيلوا معي فقط..ولا تتوقفوا كثيرا عند الاحالات والتوريات..فهي ماتزال حبيبتي وقطتي التي هاجرتني وتركتني اجتر اوجاعي..وهي تقهرني كل يوم بإحتفاءاتها.
صنو السحر وأسطورته مازالت تتدلل!! والدلال يرتكن فيها الى عشق نادر ، الدلال وهي رفيقان..والدلال كأنه صنع من اجلها ، تتجمل كما يحلو لها وتتعلل بعلل الدلال ، مثل : التقنيات وخراب النت ، وجنونها الجميل ! ثم...التعلل بمن حولها ، تداعب الحروف ، ثم ترسل في طلبي وعندما احضر تغيب هي !! ولا بأس من دلال تتدخل فيه الكهرباء والنور وجهاز الكمبيوتر والانترنت المظلوم .· يصلني الإيعاز فآتي راكضاً ، اجد الخواء امامي!! ، وقد احرقت كل سفني من اجلها ومع ذلك تتمادى في الدلال !! مُتعبة هي دائما ً..تكرهني احيانا!!لاني جزء منها!! تناديني أحيانا وتتهمني هذه القطة بالتقصير!! فإذا غبت تبحث عني ، وإذا حضرت تتثاءب بدعوى النوم والنعاس!!· تبدأ في حوار داخلي..تتكلم وانا أنصت إلى قطة مقرورة ، كأنها في حجري تتدفأ بقلبي وتخربشني اذا أصابها الملل .· مرحبا قطتي..وصلتني الإشارة فحضرت؟؟ فكيف عيوني التي أرى بها جميلتي..تقول هي لااظن اني جميلة؟؟ حسنا بيعي هذه المرآة الخادعة في سوق القديم واشتري جديدة لا تكذب !!لكن اعذارها في الهرب جاهزة !! فمن حولها يراقبها فلا اراها الا قليلا ..جميعهم هنا تقول هي؟؟ حتى الباشا احيانا يبعدني عنك..وما يزال يصر أني قطته؟؟ حاول أن يباغتني عدة مرات ، لحظات ثم ينقطع الحوار لتذهب الى الصلاة ، وانا ضعيف امام نداء الخالق!! اصبر على مضض فليس من حقي ان امنع احد من التعبد حتى ولو على حساب قلبي المثقوب بالاحزان!!· تعود...تحاول ان تصلح حروف الكتابة..اقول لها : حبيبتي احيانا افهم فلست عجوزا كاملا ..ثم احيانا اخرى امارس الصمت ، تصرخ : اين انت؟ وانا انصت لانها اذا بدأت فلا تنتهي مبارة الكلام إلا بعذر خروجها ...واعرف حبيبتي كما اعرف نفسي..فعندما يكون مزاجها متعكرا تركلني كما تركل الكرة!!.· يا قطتي السيامية : لااحد يمكنه ان يخطفك مني لأنني ورطة لامناص منها وعبثا تحاولين الخلاص والهروب فستجديني أمامك في كل لحظة !! عبثا كل هذا الصمت أحيانا لأني عاشق متجمل بالصبر والصبر يقتضي أن نحترم مواعيد الحبيب !!· حبيبتي قطة تخيلتها تلاعب قطة أخرى!!..هي لها قطتها وأنا لي قطتي هي ذاتها!!هي المقرورة في قلبي وهي المُتكأة دائما على صدري وأنا أحب أن أمسد على وبرها الجميل .· حبيبتي تعود إلى مرآتها عندما أغادر ديارها ن نصحتها عدة مرات أن تبيعها هذه المرآة التي تقتلها الغيرة منها، وان لا تذعن للقط الذي يحاول أن يعود إليها بصبر احسده عليه!!.وقد كان يوماً يقول لها لولاي لما كنت قطة!! حزنت على قطتي لانه ليس هناك من يعرف مبلغ جمالها غيري ّ!!.· حبيبتي بيعي مرآتك وبيعي القط الذي لا يعرفك وعودي كما عرفتك سيامية ناعمة لا تعرف الشك ولا تتسرب إليها الريبة والملل من العشق؟؟..عودي كما انت بلباسك الملائكي الابيض وبوجهك المدور كفلقة القمر!!· اذهبي حبيبتي وحاوري من تشائين ولاتتعللي ، فالحب لايعرف غير الصبر وانا احب قطة هي لي بالرغم من كل ارتباط لاافهمه!!!.

نحن والنيهوم..تهاني دربي

بعد أسبوعين تحديدا من صدور قرار اللجنة الشعبية العامة بإنشاء مؤسسة عامة للثقافة جاءت ندوة النيهوم كأول نشاط ثقافي تنظمه هذه المؤسسة في بادرة تقول ها نحن قد عدنا وانتظروا منا المزيد.دار الكتب الوطنية أو مكتبة النيهوم بجيش رفيقات الكتب اللطيفات البنغازيات، تحت ادارة المخضرم الأديب محمد الشويهدي التي إستأثرت في الأونة الأخيرة رغم كل العثرات الذي شهدها العام الماضي من كساد عام سببه حجب الميزانيات العامة بتنظيم احتفاليات لكتاب ليبيين ترواح نجاحها من واحدة لأخرى حتى توج بندوة النيهوم التي كانت من حيث التنظيم الأكثراكتمالا، ومن حيث الحضورالجماهيري والثقافي الأكثر حفاوة بكاتب عاش حياته مثيرا للجدل وموته لم يزده إلا كذلك.القاعة كانت أصغر من أن تستوعب جمهور النيهوم هذه الظاهرة التي لم تنته بموته، فبعد خمسة عشر عاما مازال المهتمون بإرثه يسلطون الضوء على أبعاد ما كتب، وفي شخصه تؤكد فرادة هذا الكاتب مكرسة دون منازع كاتب ليبيا الأول القريب من القلب، الذي مازال رغم كل هذه السنوات الطويلة من الغياب كاتبها الأكثر شهرة والأكثر إثارة للجدل.كانت شهادة الكاتب الكبير ابراهيم الكوني في صديق عمره من الحميمية حتى أثارت في أفق القاعة غمامة دفء تنفسها كل الحضور. براعة الكوني كانت في ملامسة هذا الشخصي، المميز النواة الذي كان في النيهوم، أن يكون بكل تلك النورانية في أعماق صديق له لا يقل عنه وربما يزيد من حيث الكفاءة والذهاب الى ما هو أعمق يكمل بدراية قد تتقاطع في الواجهة وتلتحم في الأسس، أمرا يشي بمنابع منجز الأثنين معا.أن تكون بهذا البهاء الداخلي بشهادة صديق العمر مرتكزاً أساسياً لفهم أكثر لما ينتج عنك من منجز أدبي قادر على أن يخلق كل هذا الصخب الذي شهدته الندوة خلال يوميها والذي هيأ لكل متناول، مدخلا يختلف عن الآخر ولكن يستحق أن يتوج في الخاتمة رغم كل ما طرح بإختلاف رؤاه مدى ثراء مادة التناول واتساعها.هذه الندوة الناجحة أكدت ان النيهوم مازال في جعبته الكثير حتى يكون حاضرا أكثر، وهذا يعني ضمن ما يعنيه أنه خصب بما يكفي لكل احتمال، قادر بعد كل هذه السنوات أن يكون موضوعا غير ممل عند كل من محبيه ومهاجميه، وحيا حتى يخلق كل هذا الكم من المواضيع الصاخبة في محاولة صادقة للنفاذ الى عالمه الحافل والشائك، عالم ليس سهلا ولوجه، ويقر في النهاية كل من حاول ان الخروج منه أبدا ليس كدخوله.مساءات بنغازي التي مازالت مملة كما تركها، أضاء النيهوم قناديلها خلال يومين، وحاول كل من قدم ورقة او مداخلة في هذه الندوة أن يفسر لماذا الصادق ظل نجما مشعا حتى الآن، بيد أنني أجتهد وأقول أن شهادة الكاتب الكبير ابراهيم الكوني ومداخلة الدكتور فهمي علي خشيم أهم من أضاء بداية الطريق وإتكاءً على ما ذهب اليه كل منهما يمكن القول أن النيهوم في خطابه كان يستند بالأساس الى روح طهرانية إسثنائية ومشاعر فائقة الحرارة ترفض ما يقدم لها كمسلمات لا من باب العبث وانما من باب أنها أنتجت واقعا اجتماعيا وسياسيا ودينيا متخلف لم يحبه ولم يستطع حتى التكيف معه.لغة النيهوم الباذجة "الوسيلة" تمكنت باشراقها المحمل ببهاء داخلي قل نظيره كان أصله ثابتاً ويزداد كلما تزودت هذه الروح حتى اتقنت دون اي عناء براعة الملامسة لوجدان القراء فأيعنت فيها كل هذا الاهتمام.روح النيهوم كانت قادرة على الرؤية ومن ثم الإشارة الى مواطن الداء في مجتمعنا دون ان يجاري هذا التفوق مقدرة موازية أخرى منهجية عقلية تحليلية قادرة على صياغة مشروع فكري تنويري واضح ومكتمل ومحدد الملامح، كان يملك مقدرة على الرؤية وتحديد مواطن الداء دون ان يتمكن من وصف آلية تشفي من الداء.مازالنا رغم كل هذه السنوات الطويلة تقريبا ندور في نفس دائرة مسلمات وكلشيهات التي وضعها النيهوم تحت مظلة تهكمه نبتسم لحقيقة رؤية هزالنا في مرآته ونرغب في التغيير ولا نمتلك القدرة.النيهوم طرح أسئلة كثيرة لم يتمكن هو من الإجابه عليها، تركها لنا كتعويذة خلاص. الإجابة عليها تحتاج كم وكيف هائل من الكتاب الحقيقيين، ومواطن يقرأ ويستوعب ولديه أيضا إرادة حقيقية للتغيير، وآمل زمن أقل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • شاعرة وصحفية ليبية.
  • المقال عن موقع جيل

الربيع البارد..رائدةزقوت

الربيع البارد بارد جدا كان الجو في الخارج .....يتكاثف البخار على النافذة ..فتعطي العتمة المتسربة من خلال قطرات التكاثف وبعض مساحات الزجاج التي بقيت لم تلطخها النقاط المتكاثفة منظراً مخيفا ً يطغى على مكان جلوسها المعتاد .ارتدت ملابس ثقيلة فضفاضة لتمنحها بعضاً من دفء ولتخفف عنها ضغطاً كان يتربع داخل جسدها اليانع الشديد البياض المُتحول بفعل البرد المتسرب من الخارج إلى أبيض ِمزرقاً, جلست في مكانها المعتاد رافعةً رجليها بشكل مثني على الأريكة لتكون جالسة عليها بوضع يرفعها قليلا عنها ويكشف لها عن خبايا الرعب المتسلل عبر النافذة من قطرات الماء وبعض العتمة.كانت تشيح بوجهها عن الزجاج بشكل متعمد ..وكلما أشاحت عاودت رقبتها لأخذ نفس الاتجاه وكأنها تآمرت!! مع العتمة والرعب على نصب كمين لها لتبقى مرعوبة متوترة ....في أحد الدورات المعتادة من رقبتها لمحت ما يشبه الضوء ....فركت عيناها جيدا وركزت النظر عبر زجاج النافذة ...نعم ...أنه ضوء ...يا لجمال هذا الضوء ....حدثت نفسها ...تحركت بخفة من مقعدها متجهة صوب الضوء ..وهو يزداد قوةً ويزداد إشعاعاً .....وصلت النافذة ..مسحت الزجاج من قطرات الماء ..التي بدأت بالسيلان على الزجاج فرحا بالضوء القادم من الخارج وربما من الدفء المباغت الذي وصل للنافذة كما وصل لقلبها المغطى بالطبقات الكثيفة من الملابس التي لم تعتاد ارتداءها من قبل ولكنها رأتها الأنسب لتختبئ فيها من البرد ومن غيابه الذي طال ليزيد الجو برودة ويزيد كانون زمهريرا أكثر مما هو .فتحت النافذة وهي بين مصدق ومكذب ....أهذا أنت ؟!!نعم أنا : أجابها باسما غير عابئ لغيابه الطويل عنهاأمتأكد أنك أنت ؟!! ....أقصد هل حقا عدت ؟!! ..كانت تسأله متلعثمة وقد أستعاد جسدها لونه الأبيض اللامع ...وشعرت بالدفء يتسرب لكل خلايا جسدها ..حتى ظنت أنها بحاجة لاستبدال ملابسها بأخرى أخف وأضيق وبالتأكيد أجمل حتى يراها كما تعود ما الذي فعل بك هذا : سألها وهو يبتسم تلك الابتسامة التي كانت السبب بتعلقها فيه منذ البدايةبعدك ...غيابك ...اختفاءك المفاجئ ...هجرك لي بلا سبب ....رفضك كل محاولاتي لمعرفة ما ألمّ بك ...عدم الرد على رسائلي التي أرسلتها لك لمجرد أن أعرف أنك حيّ ترزق...لهفتي عليك التي كانت تصادر عندما ألمح اسمك أو أسم يشابهه ...شوقي المقتول في مخبئه حيث لا أحد يصل غيرك ...كنت أنت بكل ما فيك من غيرني.ولكني غبت بسبب : هكذا سرد لها عدة أسباب لغيابه لم يكن أكبرها ليقنع طفلاً في سن الخامسة ولكنها تظاهرت بتصديقه طواعية ...أو ليس هو عشقها الأزلي؟!!أعادته لحياتها من جديد لأول مرة تشعر بأن برد كانون أجمل ما في الشتاء ...لأول مرة تنساب قطرات البخار على نافذتها فتشعرها بالسكينة والطمأنينة وتدفعها راكضة لكتابة أسمه بتلك القطرات مداعبة النافذة ...وكأنها تقول لها ...لقد عاد ...لم يقوى على فراقي .مضت أشهر الشتاء ...بكل جمالها وبكل حضوره الذي أضفى على الشتاء بهاءا ودفأ من نوع خاص ...كان هو وقودها ...لم تحرمه من متعةَ كان يمني النفس فيها ....رفعته فوق شهريار بدرجات كبيرة ....لم تترك وسيلة تجذبه فيها نحوها ولم تفعلها ....كانت تهبه كل ما كان يحلم فيه أي حالم في عالم الأساطير والحكايات التي تناولتها الكتب ما أن بدأت تباشير فصل الجمال والحب بالقدوم رويداً ..رويداً ...حتى كان هو يعد العدة لغيبته الثانية رويداً ...رويداً ..بدأ يخلق الأعذار للغياب تدريجياً ...وبشكل متقطع ومنظم بحيث يبدو الغياب وكأنه لظروف تلزمه البعد المتقطع ربما ...والطويل أحيانا ...والحضور حسب مواعيد يقطف فيها ما يشتهي مسرعاً ليعود لغيبة أطول لا يعيده منها ...صوبها غير شهوةً جديدة لقطف بعضاً من ثمار ادخرتها له في غيباته التي طالت وحضوره القصير .كانت تنتظر فصل الحب معه بكل ما عندها من شوق وعشق ...ولكنه كان دائم الغياب ..قليل الحضور ..يقنن التواجد ...بطريقة لو أتبعت بالعالم لحلت المشكلة الاقتصادية التي هزت أركانه ..ولكن أنّا للعالم بخبير مثله في التقنين والتخطيط طويل الأمد !! محال أن يكون هناك من يملك صفاته .أستمر على هذا النهج يغيب طويلاً حتى لكأنه لن يعود مرة أخرى ...ويحضر ثواني معدودة ليشعرها أنه مازال كما هو ولكن الظروف تمنعه من الحضور الدائم ...حتى كان يوماً رائعا في ربيعه ....مزدهرة أزهاره تتمايل طرباً لنسمات الهواء المنعشة ..عندما باغتها بمكالمة منه وهو في طريق الغياب الأخير للفصل الجميل ...بأنه مضطر للبعد شبه النهائي بسبب ظروف لا تقل تفاهة ولا سخفاً عما قام بسرده لتبرير غيابه للمرة الأولى .لم تكرهه ولن تكرهه فمن دخل الحب قلبه لن يخرج مهما كان الحبيب قاسيا ..ولكن بعضاً من كرامة دفعتها لعدم تصديقه وقبول تبريراته الكثيرة على سخافتها ..فعزمت أمرها على استعادة ملابسها الفضفاضة ...فقد بدأ البرد يدب في أوصالها ...وتأكدت من وضع ما يمنع تكون البخار على النافذة حتى لا تتكون بقدومه إن عاد مجددا ...كانت اتخذت قرارها بتركه ليرحل من غير عودة له لاحقاً .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • كاتبة ومدونة اردنية تهتم بالجانب الاجتماعي