السبت، 14 مارس 2009

آه يا موزامبيق

1) سعد نافو ..كاتب قرأنا له منذ الستينيات ، فى الوقت الذى كنا فيه نتلمس الحرف بشغف ، ونعتبر الادباء كائنات تختلف عنا ، كنت كلما القاه اتوارى خجلا ً وتأسرنى شخصيته التى كنت اعتبرها متفردة ، بالرغم من انه كانت هناك اقلام اخرى شغلت الساحة مثل الرقيعى والتكبالى والصادق النيهوم..وكان هذا الاخير شغفى وعشقى..( اى النيهوم) كنت احفظ كتاباته عن ظهر قلب..وكانت امدلله او شخصية الحاج الزروق تسيطر على مـُخيلتى لدرجة انى كنت اتخيل الحاج الزروق بسبحته وكرسيه امام منزله ينتظر الجنة كما صوره النيهوم..مع ذلك كان نافو يختلف..فكنت اذهب الى الاذاعة خصيصا لكى اراه وهو يركن دراجته امام الاذاعة ويدخل.. هذا الانبهار خفت تدريجيا حتى اختفى تماما بعد ان تعرفت على نافو واكتشفت انه مثل كل البشر!!..ومع ذلك اعترف انه كان نسيجا خاصا..او سهلا ممتنعاً لا غنى عنه.. (2) نافو..جماهيرى بفطرته وبدون اى ترتيب مُسبق !! بمعنى ان جماهيريته ليست مبرمجة او مؤدلجة او بصنع حرفى ماهر يملك ناصية سلطة الكلام !! هو جماهيرى لانه مُتعدد الهوايات والاهتمامات ..فهو يكتب للصحافة والاذاعة والكشافة وله مدائن اخرى يهتم لها ..ولكل مدينه عالمها الخاص..بل واناسها الذين يختلفون كإختلاف مدائنه التى يصنعها!! فكل اهتمام قائم بذاته لايخضع لترتيب او برمجة..فهو كاتب وحكائى وكشاف ضليع واحد مؤسسى مجلة جيل ورسالة ومعه رفيق دربه الاذاعى المرحوم احمد انور وله اهتمامات بالفنون والطباعة والطفل والارملة والمطلقة والعزباء..ويحب الجمال ..ويخفى عشقه للقوارير بمسحة من السذاجة المتكلفة!! ويهتم ايضا بالمرافق وحماية البيئة وزوجات المشاهير واسماءهن وجذورهن ومتى ولدن واين!!؟؟ ومدرس حرفى وايضا اجتماعى واهتمامات اخرى يصعب حصرها..مُحاصر بعديد من المهام وعضو فى جميع اللجان التى لاتخطر على البال داخل الثقافة وخارجها..كم هائل من مؤسسات متحركة فى جسد واحد.. يمتص تناقضات لاقبل لاحد بمواجهتها والتعامل معها..فهو وطنى وثورى واجتماعى وتقليدى كما تريده ان يكون وشيخ مفوه وصاحب جلسات وعاقل ومهووس!! وله علاقاته المتشعبه بالناس على مختلف افكارهم واتجاهاتهم..ولكنه ..الا منتمى !! والعلاقة معه ورطة والبعد عنه يـُشعرك بانه لاغنى عنه..يتورط فى مآزق لالزوم لها.. هذا هو قانونه.. كما يـُشبه الالمانيون القانون ذاته..كنسيج العنكبوت يصطاد الفراشات وتعصف به الطيور الجارحة !! (2) يتميز نافو فى كتاباته بالتورية المكشوفة!! وبالدخول الى ما يهتم له من عدة نوافذ..مع حرصه على ان يكون ضيفا خفيفا!! ومع ذلك فهو حريف فى توريط المؤسسات والافراد فى احلام قد لايكون وقتها اوزمنها..فيعلن لك بإدعاء الداهية ان احد المسئولين اسر له بان هناك نشاط ثقافى مرتقب..وان مهرجان النهر على الابواب وقد رُصدت له الامكانيات المادية والاعلامية..وان الكشافة ستـُقيم نشاطا هذا العام لامثيل له... وان هناك استعداد لاقامة ذكرى مُجاهد فى جالو وان شعبية الزاوية على ابواب نشاط ثقافى...الخ... وهو كلوح الثلج لاتسخنه الاجواء مهما كان القيظ قاتلا!! ولاتؤثر فيه المواقف الصعبه التى يقابلها بسبب مناكفاته وتعهداته الكثيرة!! وكل الامور لد يه سهلة ..وكل المشاكل لديه حلولها!! سماه البعض بالاطفائى الذى يـُجمد التوترات ويؤجلها الى اجل غير مُسمى.. وربما ترجع التسميه الى ان الاطفائى يقوم بعمله المُعتاد ويترك الآثار اطلال ولايعيد البناء ابدا ً..لأن مهمته إ طفاء اللهب وكفى!! وهو يدعى انه لايغضب ابدا..لكنى افلحت ذات مرة بإغضابه لاول مرة فى حياته ( بإعترافه الشخصى) وقد جنى على نفسه بمناكفتى دونما سبب غير المُشاكسه فصبرت عليه حتى اعدت له الصاع عشرات!! فغضب منى وارغى واعترف انه لم يكن يتوقع ان ردة الفعل ستكون على المستوى الذى تلقاه .. وهى قصة بينى وبينه..لكنه بعدها اصبح كمن اسلم وحسُن اسلامه!!! وارتحت من مناكفاته.. (3) ولنافو اهتمام مُبكر بافريقيا..فهو يعرف عنها وعن اقطارها ما لايعرفه الكثيرون ..وبعض الاقطار الافريقية زارها مُباشرة وبعضها اهتم بها وقرأعنها ,,فكتب عن موزامبيق مقاله الشهير ( آه يا موزامبيق )..وكتب ايضا عن جيبوتى وكيف يُمكننا ان نعدل ساعتنا على موعد طائرتها الوحيدة التى تهبط فى المطار فى نفس الموعد المحدد لها تدليلا على المصداقية والدقة فى المواعيد..ثم كتب عن التواجير فيها ، نسبة الى ( تاجوراء ) الجيبوتية وهو يعشق افريقيا وكانه مواطن افريقى شغوف بتضاريسها.. (4) فى كتابات نافو الاذاعية كثير من الصدق والموضوعية والمثاليه..وكان قبل ان تـُحاصره الادارة بتفاصيلها السخيفة !! فسمعنا " ليس الا " و " قصص واقاصيص" وكان مُتفرغا للاخذ بيد الأقلام الجديدة التى تناول نتاجاتها بتواضع جم ومثاليه فى التشجيع والاهتمام الذى لاحد له والفضاء الرحب الذى يجعله يرحب بكل قلم جديد..وسعد نافو اليوم ليس هوذاك الذى نعرفه بإيمانه بالقدرات الشابة ووعيه ان لكل جيل اشكاله ومضامينه..وان التطور مهم وفاعل فى ساحة تستوعب كل الجديد وتعترف به وتعمل على تفعيله!! (5) سعد نافو لم يعد ذلك المتبتل فى محراب الكلمة !! بعد ان دخل معترك النقابات والعمل المؤسسى الذى يقضى على ابداع الكاتب ويجعله بمنأى عن القراءة والاطلاع ..ومع كل ما كتبه نافو فى الصحافة والاذاعتين المرئية والمسموعه لانجد له كتابا واحدا يؤرخ لتجربته ويجمعها لكى يتناولها النقاد بالتحليل والقراءة والاستقراء..انه يكتب فى صفحات تذهب مع الزمن كالزبد الذى يذهب جُفاء!! فلا احد يمكن ان يرصد تجربة نافو ولو فى كتاب واحد..ولاشك ان بعض كتاباته لها اهميتها وجدواها لو انه جمعها..لكنه..الموزامبيقة ، المُكرس ، واللامع ، والحاضر فى اللجان والمنتديات ..واكتفى بهذا وحسب..فخمسون عاما من العطاء تكفي!!.

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

اشكرك السنوسي على اللمحه السريعه التي لخصت فيها مسيرة سعد نافو

لكني فعلا اتعجب من كاتب مثله .. لم يجمع للان كتاباته في كتاب واحد

يرسخ فيه رصيده الادبي ..

واستغرب من انه لا يوجد شخص يتبنى الجمع والتحضير والاصدار ..

مع شخص كان واجهه اذاعية ومرئيه معروفه يوما ما.

لكن كما قلت يا سيدي الكريم.. معارك النقابات والمكاتب تقيد عقل المبدعين..

وتجر بهم بعيدا عن جديد القلم والساحات..

وكان لله بعونهم طبعا قبل كل شيء.

اشكرك جزيل الشكر.

غير معرف يقول...

شخصية غريبة لكنها ليست الوحيدة فمن مثله كثر

خلطوا الحابل بالنابل وتاهوا او اضاعوا نفسهم في متاهات

وتداخلات وكانت النتيجة خواء .. لانهم لم يتركوا اثرا حقيقيا ما..

الاخ والصديق الطيب محمد السنوسي

قد لاتكون شخّصت ماهية الرجل ولكنك وضعت لنا النقاط كي نستشف كنهه

لغة مميزة واسلوب بارع

مودتي

سلام

مدائن الثقافة يقول...

إنانا..يا ام كنان..تحية لك..نعم سؤالك منطقي وموضوعي ولكن من يجيب...شكرا لمرورك الكريم

غير معرف يقول...

الأستاذ السنوسي الغزالي

كل عام وأنت بخير وإبداع ...
هي بالفعل أيام تقول شيئا من (سيرة التعب) ونتذكرها كوخزات صغيرة ندعي أننا لا نشعر بها لكنها موجودة ... ونتوق لانتهائها.... أيام الميلاد مؤلمة لو كانت تحمل خيبة ما... كلمة نود سماعها من حبيب لا تجئ... هدية صغيرة قد لا يكون لها قيمة سوى ذلك النبض الفرح الذي يرفرف بالصدر كعصفور ينطلق حرا وجميلا... أو حتى ابتسامة...
(غدا) أصبح (أمس) واليوم ما بينهما... راقبت يوم ميلادك متأملا... وربما متمنيا...
الأحبة لا يذهبون والأمنيات ليست عصية على التحقق... فقط تختلف أشكال تواجد الأحبة ولغة الأمنيات ...

أتمنى لك ما يجعل القلب ينبعث نابضا وجميلا
وقادرا على إضفاء ألق رائع على كل حرف تكتبه.

دمت بخير